في خطوة قضائية اعتبرها مراقبون وحقوقيون "تحولاً خطيراً" في ملف جزيرة الوراق، أحالت النيابة العامة 9 من أهالي الجزيرة، بالإضافة إلى المحامية هبة فتحي عبد الباري، عضو هيئة الدفاع عن السكان، إلى المحاكمة الجنائية.
هذا القرار، الذي جاء على خلفية اتهامات "استعمال القوة مع موظفين عموميين" و"وضع متاريس"، ينقل الصراع المستمر منذ سنوات من الميدان إلى قاعات المحاكم، مهدداً بتحويل ضحايا التهجير المحتملين إلى جناة في نظر القانون، وسط حصار أمني يهدف إلى تفريغ الجزيرة لصالح مشاريع استثمارية.
https://www.facebook.com/photo/?fbid=1157170053207204&set=a.571320881792127
تجريم المقاومة السلمية: لوائح اتهام "جاهزة"
تحت الرقم 5677 لسنة 2025 جنايات الوراق (والمقيدة برقم 1814 كلي شمال الجيزة)، وجهت النيابة للمتهمين قائمة اتهامات ثقيلة شملت "استعمال القوة والعنف مع موظفين عموميين"، "منع تنفيذ قرارات إزالة"، و"وضع متاريس لتعطيل القوات".
تحويل الضحية إلى جانٍ: تشير هيئة الدفاع إلى أن هذه التهم تأتي في سياق "تجريم الحق في السكن"، حيث كان الأهالي يدافعون عن منازلهم ضد قرارات إزالة يعتبرونها مخالفة للدستور والقانون. وتؤكد الشهادات أن ما وصفته النيابة بـ"المتاريس" لم يكن سوى محاولات يائسة من السكان لحماية بيوتهم من الجرافات التي تحميها قوات الأمن.
استهداف المحامين: يُعد إدراج المحامية هبة فتحي ضمن المتهمين سابقة خطيرة تهدف إلى ترهيب الفريق القانوني المدافع عن الجزيرة، وكسر خط الدفاع الأخير عن الأهالي أمام تغول السلطة التنفيذية.
"مدينة حورس": الاستثمار فوق ركام المنازل
لا يمكن قراءة هذا التصعيد القضائي بمعزل عن المخطط الحكومي الشامل لتحويل الجزيرة النيلية المأهولة بالسكان إلى "مدينة حورس"، وهو مشروع استثماري ضخم يستهدف إنشاء أبراج سياحية ومراكز تجارية تخدم فئات نخبوية، ومستثمرين أجانب (وتشير تقارير إلى اهتمام إماراتي خاص).
رفض البدائل الحكومية: يرفض الأهالي، الذين يقدر عددهم بنحو 100 ألف نسمة، مخططات التهجير، مؤكدين أن التعويضات المعروضة لا تتناسب مع قيمة أراضيهم ولا تضمن لهم حياة كريمة، متمسكين بحقهم في البقاء وتطوير منطقتهم دون اقتلاعهم من جذورهم
فشل المفاوضات: يأتي اللجوء إلى الحل الأمني والقضائي بعد فشل محاولات "الترغيب والترهيب" السابقة، بما في ذلك زيارات لقيادات أمنية رفيعة المستوى حاولت إقناع الأهالي بالرحيل، وانتهت بتهديدات صريحة بالملاحقة، وهو ما تترجمه الإحالات الحالية.
سياسة "الحصار والخنق": الحياة تحت التهديد
بالتوازي مع الملاحقات القضائية، تعيش الجزيرة واقعاً مأساوياً تحت حصار أمني مشدد يهدف إلى "تطفيش" السكان وإجبارهم على القبول بالأمر الواقع:
الخنق الخدمي: يعاني الأهالي من قطع متكرر للخدمات الأساسية، وتضييق على حركة المعديات (وسيلة النقل الوحيدة)، ومنع دخول مواد البناء أو الصيانة، في محاولة لتحويل حياتهم إلى جحيم لا يطاق.
عسكرة الجزيرة: تحولت الوراق إلى ثكنة عسكرية مفتوحة، حيث تتمركز قوات الأمن بشكل دائم، وتنفذ حملات مداهمة ليلية واعتقالات عشوائية، مما خلق حالة من الرعب الدائم بين العائلات.
https://www.facebook.com/reel/846117824612184
القضاء كأداة في معركة "الوجود"
تمثل إحالة أهالي الوراق ومحاميتهم للجنايات تصعيداً نوعياً يكشف عن نفاد صبر "النظام" ورغبته في حسم الملف بأي ثمن، حتى لو كان ذلك عبر توظيف القضاء لتجريم الدفاع عن الحقوق الأساسية.
هذه الخطوة لا تهدد فقط مصير المتهمين العشرة، بل تضع آلاف الأسر أمام خيارين أحلاهما مر: إما التهجير القسري وفقدان المأوى، أو السجن بتهم "مقاومة السلطات"، في مشهد يعيد للأذهان أسوأ ممارسات الإخلاء القسري التي لا تقيم وزناً للبعد الاجتماعي والإنساني.

