في مشهد يعكس تآكل "دولة المؤسسات" لصالح "دولة الأجهزة"، كشفت مصادر خاصة لموقع "زاوية ثالثة" عن فصل جديد من فصول الهندسة الانتخابية في مصر، حيث تحولت مقرات الأمن الوطني من جديد إلى غرف عمليات لإدارة المشهد السياسي، لا لحمايته. فبعد فضيحة انتخابية مدوية، تمثلت في هيمنة مرشحي "الأمن الوطني" وإقصاء حتى حلفائهم من "المخابرات العامة"، استدعى الجهاز الأمني الأقوى في البلاد المرشحين من الدوائر المثيرة للجدل، ليس للتحقيق في التجاوزات، بل لانتزاع تعهدات بإعادة الترشح وضبط السيناريو في جولة الإعادة، في إقرار ضمني بأن الصندوق في مصر ليس إلا صدى لصوت التعليمات الأمنية.
استدعاءات الإذعان: "وقع هنا لتعود للسباق"
بحسب المعلومات التي أوردها موقع "زاوية ثالثة" ونقلتها منصات حقوقية، لم يكن استدعاء المرشحين في اليومين الماضيين نقاشاً سياسياً، بل كان أقرب لجلسات "تلقين الأوامر". ضباط الأمن الوطني وجهوا تعليمات صارمة لمرشحين، بعضهم كان قد أعلن انسحابه احتجاجاً على التزوير الفج، بضرورة العودة للسباق الانتخابي تحت ذريعة "المصلحة الوطنية". الهدف من هذه الاستدعاءات هو ترميم الواجهة الديمقراطية التي تهشمت تماماً بعد أن خرجت نتائج الجولة الأولى مفصلة بشكل فج لصالح قائمة واحدة وجهاز واحد، مما أحرج النظام داخلياً وخارجياً وأجبره على التلويح بـ "إعادة الانتخابات" في بعض الدوائر لامتصاص الغضب.
حرب الأجهزة: "الأمن الوطني" يلتهم "المخابرات العامة"
لعل الأخطر فيما كشفته الكواليس هو خروج الصراع المكتوم بين الأجنحة الأمنية إلى العلن. فالهيمنة المطلقة لمرشحي "الأمن الوطني" (عبر حزب مستقبل وطن وأذرعه) لم تدهس المعارضة الهزيلة فحسب، بل طالت مرشحين محسوبين تقليدياً على "المخابرات العامة" (عبر حزب حماة الوطن وتنسيقية شباب الأحزاب).
هذا "التغول" يشير إلى خلل في توازنات القوى داخل "الدولة العميقة"؛ حيث يبدو أن جهاز الأمن الوطني قرر الاستئثار بالكعكة البرلمانية كاملة، محولاً البرلمان القادم إلى "شعبة إدارية" تابعة له حصراً، مما أثار حفيظة أجهزة سيادية أخرى رأت في هذا الإقصاء تهديداً لنفوذها التاريخي، ودفع باتجاه ضغوط أدت لسيناريو الإعادة "التجميلي".
مسرحية الإعادة: تدوير الفشل بدلاً من المحاسبة
الحديث عن "إعادة الانتخابات" الذي يروج له النظام ليس صحوة ضمير أو انتصاراً للنزاهة، بل هو محاولة يائسة لـ "تدوير الفشل". فالنظام الذي زور الجولة الأولى هو نفسه الذي يشرف على الإعادة، والأدوات التي استخدمت لشراء الأصوات وتوجيه الناخبين (الكرتونة، التهديد الأمني، المال السياسي) لا تزال فاعلة وبقوة.
ما يحدث هو مجرد تعديل في "الإخراج" لضمان توزيع حصص المقاعد بشكل يرضي الأطراف المتصارعة داخل السلطة، وليس لتمثيل إرادة الناخبين. فبدلاً من محاسبة المسؤولين عن التزوير، يتم مكافأتهم بفرصة ثانية لإتقان التزوير بشكل "أشيك" وأقل إثارة للضجيج.
برلمان "الأجهزة" لا يمثل الشعب
إن ما يجري في كواليس الانتخابات المصرية لعام 2025 يؤكد المؤكد: مصر لا تشهد انتخابات سياسية، بل تشهد "مناقصة أمنية" لتوزيع مقاعد البرلمان على المحاسيب والموالين. ومع استمرار الصراع بين الأمن الوطني والمخابرات على النفوذ، يدفع المواطن المصري الثمن من مستقبله، حيث يُنتج هذا العبث برلماناً بصاماً، منزوع الإرادة، وظيفته الوحيدة تمرير القرارات التي تزيد من إفقار الشعب ورهن مقدرات الوطن. في النهاية، سواء أعيدت الانتخابات أم لا، النتيجة واحدة: صندوق الاقتراع مات، والدولة تدار بالهاتف من داخل الغرف المغلقة.

