كانت أحداث محمد محمود هي أول شرخ حقيقي أصاب وحدة رفقاء ثورة 25 يناير، وكانت لهذه الأحداث تداعيات على لا يمكن إغفالها عند الحديث عن أسباب فشلها، أو بالأحرى منح المتربصين بها الفرصة لينقلبوا عليها في الوقت المناسب، بعد أن انتهت حالة التوافق، وحل مكانها حالة الانقسام والتشرذم بين الثوار.

 

"الإخوان المسلمون" نزلوا إلى ميدان التحرير منذ اللحظة الأولى لثورة 25 يناير، ولم يبرحوه للحظة حتى في أحلك الأوقات وأصعبها على المعتصمين بالميدان، زادوا بكل قوة وبسالة عن "ميدان الثورة" ولم ترهبهم محاولة محاولة فلول نظام حسني مبارك في السيطرة عليه، لم يزدهم ذلك إلا تمسكًا بالبقاء في الميدان، وأحبطوا ما عرفت إعلاميًا بـ "موقعة الجمل"، التي جاءت بتواطؤ من قيادات المجلس العسكري آنذاك.

 

إذن لا مجال للمزايدة، أو الادعاء بأن "الإخوان" امتطوا الثورة أو قفزوا على مكتسباتها، لكن في كل الأحوال حدثت الوقيعة في أحداث محمد محمود،  التي شهدت اشتباكات عنيفة بين الثوار وقوات الأمن نتيجة فض اعتصام أهالي شهداء الثورة في ميدان التحرير بالقوة، وبسبب تباطؤ المجلس العسكري في تسليم السلطة للمدنيين آنذاك.

 

الإخوان باعونا في محمد محمود!

 

وكانت الجملة الأشهر التي رفعها الثوار هي: "الإخوان باعونا في محمد محمود" في إشارة إلى عدم مشاركة الجماعة رسميًا في الأحداث على الرغم من مشاركة بعض أفرادها، مما تسبب في إحداث شرخ عميق بين الإخوان ورفقائهم من الثوار، الذين أخذوا منذ تلك الأحداث موقفًا معاديًا للجماعة، واتهموها بالتواطؤ ضد الثوار عبر التحالف مع المجلس العسكري الحاكم.
 

كانت المسألة خلافًا في وجهات النظر حول تقديرات كل من الجانبين لطبيعة الأوضاع آنذاك، لكن "الطرف الثالث" أظهر عن نواياه الخبيثة في الوقيعة بين الجانبين، لثقته التامة في أن هذا أول مسمار حقيقي سُيدق في نعش الثورة، وإحباط مكتسباتها، والقضاء على أهدافها الطموحة: "عيش.. حرية.. عدالة اجتماعية"، وهذا ما حدث بالفعل بعد أن تأزمت الأمور أكثر.

 

وإن كان في حقيقة الأمر قد برزت نذر الخلاف بينهما قبل شهور من ذلك، وتحديدًا بعد أن اختلف الثوار مع الإخوان حول التعديلات الدستورية التي تم تمريرها في 19 مارس 2011، على غير رغبة قوى أخرى ومرشحين للرئاسة دعوا إلى رفض التعديلات والدعوة لدستور جديد.

 

في اليوم التالي من أحداث محمد محمود، التي اشتهرت بقنص عيون المتظاهرين من جانب قوات الأمن، أصدر "الإخوان" بيانًا توجهوا فيه إلى المجلس العسكري، قائلين: "ونطالبكم بالخروج عن صمتكم والحديث إلى الناس بما تنوونه بشأن تسليمكم السلطة، كما ندعوكم لكفِّ أيدي الشرطة عن العدوان على الشعب، والتي اعتزلت دورها ومهمتها مدة طويلة ثم خرجت على المعتصمين بجحافل الأمن المركزي تبطش وتقتل وتصيب، كما نطالب بمحاكمة كل من أمر بهذا العدوان".

 

كما خاطب البيان السياسيين، قائلاً: "طالما ناديتم بالحرية والديمقراطية التي هي حكم الشعب، وقد آن الأوان لكي يقول الشعب كلمته ويعلن اختياره وإرادته فهل ستحترمون هذه الإرادة أم تنقلبون عليها؟ فمصداقيتكم الآن على المحك ونرجو أن تنجحوا في الاختبار".

 

خلاف بلا رجعة

 

لكن رقعة الخلاف اتسعت في النهاية، وتضخمت كرة الثلج، وصولاً إلى أحداث 30 يونيو و3 يوليو 2013، التي أطاحت بحكم الرئيس المنتخب محمد مرسي، بعد أن استغلت "الثورة المضادة" حالة الاستقطاب التي أحدثتها أول انتخابات رئاسية تجرى بعد ثورة 25 يناير في تكريس حدة الخلاف، ووضع العقبات أمام تحقيق أهدافها، مع تعمد تعطيل مصالح الناس، وقطع الكهرباء، وإخفاء الوقود لإشعال ثورة الغضب في نفوس المصريين.

 

وقد توجهت "الإخوان" باتهام صريح إلى الطرف الذي لم يكن يريد التنازل عن السلطة للشعب في الوقيعة بين شركاء الثورة في أحداث محمد محمود، وذلك في بيان أصدرته في نوفمبر 2013 – أي بعد شهور من الانقلاب على الرئيس المنتخب.

 

وقالت: "الآن قد زال الخفاء وظهرت الحقيقة أن مؤامرة متصلة الحلقات كانت تحاك منذ ذلك التاريخ وما قبله لتقسيم الشعب وتفريق أطيافه وشركاء ثورته وإلقاء العداوة بينهم، واستقطاب البعض وإقصاء البعض، وإفشال الرئيس المدني ومنظومته، ونسج خيوط الافتراءات والأكاذيب حولهم ثم القيام بانقلاب عسكري أطاح بكل المؤسسات الدستورية، ثم انقض على الشعب يقتل المعارضين ويحرقهم ويسجنهم، ويكمم الأفواه ويصادر الحريات وينشر الإرهاب في ربوع البلاد، وبالجملة يلغى كل مكتسبات ثورة 25 يناير ويمحو أهدافها ويعيد الاستبداد والفساد أبشع مما كان قبل الثورة".

 

سعى "الإخوان" من خلال البيان إلى توحيد الصف في مواجهة الانقلاب، لكن الوقت على ما يبدو قد فات وقتها في توحيد جبهة الثوار والإخوان من جديد في التصدي للانقلاب العسكري الفاشي الدموي، لكي يسترد الشعب حريته وكرامته وسيادته ويعيد الجيش إلى مهمته المقدسة في حماية الوطن بعيدًا عن التدخل في السياسة.