يمكن أن تتزع السلطة بقوة السلاح، لكن هذا لا يكفي لأن تمتلك شرعية تجعلك في مأمن أن تلقى المصير ذاته.

 

وصل عبدالفتاح السيسي إلى الحكم بعد أن قتل واعتقل وشرد عشرات الآلاف من المصريين، وبعد أن أودع الملايين في سجن كبير، غير مسموح لأحد فيه أن يجهر بمعارضته، ولا أن يطالب بحريته، ولا أن تصان كرامته.
 

قوة السلاح 

 

في جمهورية الخوف، لا صوت يعلو فوق صوت "الرئيس"، وإلا كان القتل أو السجن مصيره. 

 

لكن قوة السلاح وحدها لا تكفي لإعطائه الشعور بالأمان، وهو الذي يتقلب خوفًا وفزعًا من أن يطاح به كما فعل مع الرئيس المنتخب محمد مرسي، فلا شيء مضمون، لا حلفاء دائمين، ولا شركاء مأمونين. 

 

يعلم السيسي جيدًا، أن كافة الاستحقاقات الانتخابية التي أجريت في مصر منذ وصوله إلى السلطة بقوة القهر والسلاح تفتقد إلى الشرعية الشعبية، التي هي الأساس والركيزة التي تستند إليها أنظمة الحكم الديمقراطية.

 

الإقبال الهزيل على التصويت في المرحلة الأولى من انتخابات مجلس النواب يعكس أزمة الشرعية التي يفتقد إليها السيسي، حيث لا يثق الناخبون تمامًا في نزاهة ومصداقية الانتخابات.

 

حتى مع استخدام كافة وسائل الإغراء، فقد كان المشهد أمام اللجان الانتخابية عبثيًا إلى حد كبير، حيث اصطفت النساء اللواتي بدا على وجوههن علامات البؤي والفقر على أمل الفوز في النهاية بـ " كرتونة" تحتوي على القليل من المواد الغذائية.

 

مسرحية الانتخابات

 

هذا الحضور الضعيف يبرهن بما لايدع مجالاً للشك أن المصريين لايريدون أن يكونوا شركاء في مسرحية الانتخابات، وأنهم يتحلون بالوعي الكافي الذي يجعلهم مؤمنين بأن هذا البرلمان لن يمثلهم حقيقة، ولن يدافع عن مصالحهم كما يفترض أن يكون، ما دام المرشحون تم اختيارهم على أعين الأجهزة الأمنية.

 

أكثر من 12 عامًا، ولم يستطع السيسي أن يكسب أرضية جماهيرية تشكل له حاضنة شعبية، بل على العكس فرصيده في تراجع دائم حتى بين أولئك الذين صفقوا له، ورفعوا الأحذية فوق رؤوسهم على جثث الآلاف من مؤيدي الشرعية.

 

إذا جاز النظر إلى الحضور الانتخابي الضعيف على أنه استفتاء على شعبية النظام، فهذا أكبر دليل على تآكلها وانهيارها إلى الحد الذي جعل كثيرًا من المصريين لا يستشعرون أجواء الانتخابات، وكأنهم يعيشون في واد آخر لا ضجيج فيه، ولا شيء يزعج رؤوسهم.

 

تجييش إعلامي وديني 

 

اللافت أن الإعلام الموالي للأجهزة الأمنية لم يدخر وسعًا في الحشد والترويج للانتخابات، وحتى مع استخدام أدوات الترهيب مثل فرض غرامة على الممتنعين عن التصويت (500 جنيه)، إلا أن الملايين لم يعبأوا بذلك، وفضلوا ممارسة حياتهم الاعتيادية، ولم يذهبوا إلى لجان التصويت للإدلاء بأصواتهم.

 

حتى مؤسسة الإفتاء جرى تجييشها هي الأخرى لتصدر فتوى بتحريم عدم التصويت في الانتخابات، واعتبار المقاطع لها في حكم الآثم الممتنع عن الشهادة.

 

ما جرى في مصر خلال المرحلة الأولى من الانتخابات لا يحتاج إلى تقارير أمنية ترصده، فالكل يرى بعينه، ويسمع بأذنه كيف يتم "هندسة البرلمان" على مقاس الفاسدين وحفنة من رجال الأعمال الوصوليين.

 

لن تفلح إذن محاولة السيسي في اكتساب الشرعية وقد سقط في اختبارها عن جدارة في استحقاق تلو الاستحقاق، ولم يعد بحوزته أي رصيد شعبي قد يراهن عليه عند تأزم الأوضاع في مصر.