تتسارع الخطى الدبلوماسية في أروقة مجلس الأمن الدولي لمناقشة مشروع قرار أميركي يقضي بنشر قوة دولية لتحقيق الاستقرار في قطاع غزة، وسط انقسام حاد بين الأطراف الدولية والإقليمية حول طبيعة هذه القوة ومهامها ومشروعيتها. في الوقت الذي تأمل فيه بعض الدول التوصل إلى صيغة توافقية قابلة للتنفيذ، تبرز مخاوف مشروعة من أن يتحول المشروع إلى أداة أمنية تصب في مصلحة الاحتلال الإسرائيلي، مع تهديدات حقيقية باستخدام الفيتو من جانب روسيا أو الصين.
تحركات مصرية مكثفة ومحاولات لتقريب وجهات النظر
أكد وزير الخارجية المصري بدر عبد العاطي انخراط القاهرة في المشاورات الجارية في نيويورك، مشيراً إلى محادثات يومية مع الولايات المتحدة وروسيا والصين، إلى جانب الاتحاد الأوروبي والمجموعة العربية بقيادة الجزائر. وتشدد مصر على ضرورة أن يحافظ مشروع القرار على الثوابت الفلسطينية، وألا يتحول إلى غطاء لنزع الشرعية عن المقاومة أو تكريس الاحتلال تحت مسميات أمنية.
وقال عبد العاطي إن الأمل معقود على التوصل إلى صياغة توافقية تتيح نشر القوة الدولية بسرعة، شرط أن تحترم التوازنات الإقليمية وأولويات كل طرف. وأوضح أن هناك ملاحظات من عدة دول بشأن مشروع القرار الأميركي، ما يعني أن النص في حالته الحالية لا يحظى بالإجماع.
مشروع أميركي برؤية أمنية تنفّذية لا سلامية
بحسب تسريبات نُشرت عبر موقع "أكسيوس"، يتضمن مشروع القرار الأميركي تشكيل هيئة حكم انتقالي في غزة، وتفويض قوة دولية تنفيذية (وليست لحفظ السلام) بمهام نزع سلاح الفصائل الفلسطينية، وتدمير البنى التحتية العسكرية، وضمان عدم إعادة بنائها.
ويرى خبراء أن هذه الصيغة تتبنى مقاربة أمنية إسرائيلية بالكامل، خصوصًا مع رفض تل أبيب وجود أي عناصر من تركيا أو دول تعتبرها معادية ضمن القوة الدولية، واشتراطها أن تكون مهام القوة تنفيذية وليست رقابية أو تفاوضية.
تحفظ عربي واسع.. ومخاوف من انزلاق أمني
جاءت المواقف العربية متحفظة على المشروع، حيث أكدت مصر وقطر في بيان مشترك ضرورة تحديد صلاحيات هذه القوة وولايتها بدقة. كما أعلن المستشار الرئاسي الإماراتي أنور قرقاش أن بلاده لا ترى إطارًا واضحًا حتى الآن للمشاركة في مثل هذه القوة، مشيرًا إلى أن أبوظبي لن تنخرط على الأرجح في هذا المسار.
ويخشى المراقبون من أن يؤدي نشر قوة دولية بغطاء أميركي إلى صدام مباشر مع فصائل المقاومة وعلى رأسها حماس، التي قد تعتبر هذه القوات امتدادًا للاحتلال. وقد حذر خبراء مصريون من أن فشل المشروع قد يفتح الباب أمام صدام مسلح واسع، بدلًا من تهدئة واستقرار.
احتمالات الفيتو وتعدد السيناريوهات
في ظل استمرار الخلافات، تبرز عدة سيناريوهات محتملة لمصير مشروع القرار. يشير الدكتور سعيد عكاشة إلى أن تمرير القرار قد يصطدم بفيتو روسي أو صيني إذا أصرّت واشنطن على تمريره دون تعديل. وفي هذه الحالة، قد تتجه الولايات المتحدة إلى تشكيل تحالف متعدد الجنسيات خارج مظلة الأمم المتحدة، لكن مع غياب المشاركة العربية، وربما اعتماد جزئي على قوات أفريقية أو إسلامية.
أما المحلل الفلسطيني نزار نزال، فيرى أن إمكانية التوصل إلى تفاهمات مصرية-قطرية-أميركية قد تُنتج صيغة توافقية "ناعمة"، تسمح بنشر قوات بغطاء أممي، شريطة موافقة فلسطينية واضحة، وحصر المهام في الرقابة والتنسيق، لا نزع السلاح القسري.
ويطرح نزال سيناريوهات بديلة تشمل: إصدار بيان رئاسي من مجلس الأمن بدلاً من قرار ملزم، أو تجميد المشروع مؤقتًا مع إبقاء المسار السياسي مفتوحًا، أو إرسال بعثة مراقبة غير مسلحة كحل وسط يُرضي الجميع.
اختبار دولي جديد حول غزة
أمام هذا المشهد المعقد، يجد مجلس الأمن نفسه في اختبار جديد لقدراته على صياغة موقف موحد بشأن قطاع غزة. فبين مصالح واشنطن وتطلعات تل أبيب، وتحفظات موسكو وبكين، والمواقف العربية المتحفظة، لا يبدو أن الطريق إلى توافق دولي حول قوات الاستقرار سيكون سهلاً.
تبقى الأولوية بالنسبة للعديد من الأطراف، وعلى رأسها مصر وقطر، أن يُصاغ أي قرار جديد بما يضمن حماية المدنيين، ووقف العدوان، واحترام السيادة الفلسطينية، وليس فرض حلول أمنية تصب في مصلحة الاحتلال الإسرائيلي وتديم أمده.
المشاورات الجارية في نيويورك بشأن نشر قوة دولية في غزة قد تحدد ملامح المرحلة المقبلة للصراع الفلسطيني الإسرائيلي. النجاح في الوصول إلى صيغة متوازنة سيكون خطوة مهمة نحو استقرار حقيقي، لكن فرض رؤى أحادية الجانب دون توافق دولي قد يؤدي إلى نتائج عكسية، تعيد إشعال المنطقة وتزيد من معاناة الشعب الفلسطيني.

