في مشهدٍ يعكس فراغ الساحة السياسية في مصر من أي منافسة حقيقية، جاءت انتخابات مجلس النواب 2025 باهتة ومكرّسة لهيمنة السلطة المطلقة، بعد استبعاد الأصوات المعارضة والمستقلة، وتغييب الإشراف القضائي الكامل، في وقتٍ تحوّلت فيه اللجان الانتخابية إلى ساحات رقص واحتفالات مصطنعة تهدف إلى تلميع صورة المشاركة الشعبية المفقودة. الانتخابات التي يفترض أن تكون تعبيرًا عن الإرادة الشعبية، بدت هذه المرة أقرب إلى عرضٍ سياسي مُعدّ سلفًا لإنتاج برلمان تابع للرئاسة، بلا صوت معارض أو رقابة حقيقية.
تغييب المعارضة وصناعة برلمان الولاء
لم تكن نتائج الانتخابات هذه المرة بحاجة إلى صناديق اقتراع، بعدما أغلقت الهيئة الوطنية للانتخابات الباب أمام كل القوائم المستقلة، ورفضت ترشيحات عدد من المستقلين على المقاعد الفردية، ما جعل فوز “القائمة الوطنية من أجل مصر” مسألة محسومة مسبقًا.
القائمة التي تضم 12 حزبًا مواليًا للنظام، من أبرزها مستقبل وطن وحماة الوطن والجبهة الوطنية والشعب الجمهوري، باتت الممثل الوحيد في الدوائر الأربع لنظام القوائم المغلقة، حاصدةً 284 مقعدًا دون منافسة تُذكر، ما حوّل العملية الانتخابية إلى إجراء شكلي يُكرّس احتكار السلطة ويقضي على آخر مظاهر التعددية.
غياب الإشراف القضائي واستبداله بموظفي الدولة
للمرة الأولى منذ عام 2011، تغيب هيئات القضاء عن الإشراف على الانتخابات، حيث أوكلت المهمة لأعضاء من هيئتي النيابة الإدارية وقضايا الدولة، في سابقة خطيرة أنهت فعليًا الرقابة القضائية التي كانت الضمان الأخير لنزاهة الاقتراع.
هذا التحول جاء تطبيقًا للنص الدستوري الذي أنهى الإشراف القضائي الكامل بعد مرور عشر سنوات على دستور 2014، وهو ما اعتبره مراقبون خطوة مقصودة لتقويض الشفافية وإحكام السيطرة الإدارية على مجريات التصويت والفرز.
انسحاب النائبة نشوى الديب: “الانتخابات محسومة قبل ما تبدأ”
في مشهدٍ نادر من الاعتراض داخل أجواء الخوف، أعلنت النائبة السابقة نشوى الديب انسحابها من سباق الانتخابات بدائرة إمبابة والمنيرة الغربية، بعد ساعة واحدة فقط من بدء التصويت، احتجاجًا على ما وصفته بـ“عبث العملية الانتخابية وانعدام النزاهة”.
وقالت الديب في تصريحاتها التي لاقت تفاعلاً واسعًا: “مينفعش الانتخابات قبل ما تتعمل تبقى محسومة، اللي بيحصل ده عبث... عايزين انتخابات حرة”، وسط هتافات مؤيديها “حرة.. حرة”، في لحظة أعادت التذكير بالروح التي حاول النظام طمسها منذ سنوات.
رقص وزغاريد بدل النقاش السياسي
وكعادته في كل استحقاق انتخابي، لجأ النظام إلى تكرار مشاهد الرقص أمام اللجان، حيث انتشرت مقاطع مصورة لنساء وكبار سن يؤدين الرقص والزغاريد على أنغام الأغاني الشعبية أمام مراكز الاقتراع، في مشهدٍ يُراد به إخفاء العزوف الشعبي الصارخ.
بينما تغيب النقاشات السياسية والبرامج الانتخابية، يحضر الرقص والدعاية الرسمية في محاولة بائسة لإيهام الداخل والخارج بأن “الشعب يشارك”.
“محاكاة” في المدارس.. غرس الطاعة لا الوعي
وفي واقعة أثارت الجدل، نظّمت إدارة إحدى مدارس شبين الكوم بالمنوفية نموذجًا مصغرًا لمحاكاة الانتخابات البرلمانية، شارك فيه تلاميذ صغار يؤدون أدوار الناخبين والقضاة، في مشهدٍ يعكس سعي النظام لتطبيع مشهد “الانتخابات الشكلية” حتى في عقول الأطفال، وتقديمها كجزء من الحياة الطبيعية، بعيدًا عن أي مفهوم حقيقي للمواطنة أو حرية الاختيار.
“برلمان بلا روح” في دولة بلا معارضة
هكذا تُختتم انتخابات البرلمان الجديد في مصر، وسط غياب المنافسة، وتراجع الثقة، واحتفال رسمي ببرلمانٍ لا يمثل إلا السلطة التي أنجبته.
برلمانٌ يُتوقع أن يؤدي دور “المُصادق” لا “المُحاسِب”، ويمرر التشريعات دون نقاش أو مساءلة، في مشهدٍ يُعيد البلاد سنواتٍ إلى الوراء، حيث لا صوت يعلو فوق صوت النظام.

