رغم الضجيج الإعلامي والاحتفاء الرسمي من حكومة عبد الفتاح السيسي بإطلاق ما سُمّيت "أول سيارة كهربائية مصرية"، تكشف التفاصيل الدقيقة أن المشروع لا يعدو كونه تجميعًا لسيارة صينية الصنع داخل مصانع النصر للسيارات، بنسبة مكون محلي متواضعة لا تتجاوز 30٪، دون تصنيع حقيقي لأي من مكوناتها الجوهرية مثل البطارية أو المحرك أو أنظمة التحكم. إنها خطوة تُقدَّم للمواطن كإنجاز وطني ضخم، بينما هي في حقيقتها جزء من حملة ترويجية لتجميل صورة نظام يفتقر إلى إنجازات إنتاجية حقيقية في مجال الصناعة الثقيلة أو النقل الذكي.

 

إنجاز على الورق.. وتجميل سياسي للواجهة

 

في 9 نوفمبر 2025، وخلال افتتاح معرض النقل الذكي (TransMEA)، ظهر رئيس الوزراء مصطفى مدبولي ووزير النقل كامل الوزير مبتسمين أمام كاميرات الإعلام، معلنين بدء التشغيل التجريبي لأول "تاكسي كهربائي بالعاصمة الإدارية". لم تكن سوى عشر سيارات فقط من طراز "Dongfeng MAGE EV"، تم تجميعها داخل شركة النصر للسيارات، في إطار خطة لتشغيل 145 سيارة لاحقًا.

 

لكن الحقيقة أن السيارة، بكل مكوناتها الجوهرية، ما زالت صينية بالكامل، تحمل الاسم التجاري Dongfeng E70 Mag، ولم تتخلَّ الشركة الصينية عن علامتها أو حقوقها. أما شركة النصر، فدورها اقتصر على التجميع النهائي وتركيب بعض الأجزاء البسيطة.

 

المكون المحلي.. ديكور صناعي لتلميع المشروع

 

تروج الحكومة لفكرة “المكون المحلي بنسبة 30٪”، لكنها نسبة تضليلية إذا ما فُككت تفاصيلها. فبحسب بيانات شركة النصر وتحالف SN أوتوموتيف، لا يشمل التصنيع المحلي أي مكوّن تكنولوجي حقيقي؛ إذ إن البطارية، والمحرك الكهربائي، ووحدة التحكم الإلكترونية (ECU)، وأنظمة الشحن، كلها مستوردة بالكامل.

 

أما ما يُعد "مكوّناً محلياً" فهو الإطارات، والفرش الداخلي، والزجاج، وبعض القطع البلاستيكية والدهانات. أي أن ما تصنعه مصر فعليًا هو "الكماليات"، بينما تبقى التكنولوجيا والجوهر الصناعي في الخارج.
ورغم إعلان نية رفع المكون المحلي إلى 50٪ خلال عامين، لم تُقدَّم أي خطة فعلية لتوطين صناعة البطاريات أو المحركات، ما يجعل الوعود الحكومية أقرب إلى التجميل الإعلامي منها إلى سياسة صناعية حقيقية.

 

شراكات محسوبة.. لا صناعة وطنية

 

الشريك المحلي في المشروع، شركة SN أوتوموتيف، مملوكة لرجل الأعمال "صافي وهبة" صهر المستشار أحمد السيسي، شقيق عبد الفتاح السيسي، ما يثير تساؤلات حول الطبيعة الاحتكارية والسياسية لهذه الشراكات. فبدلاً من فتح المجال لمنافسة حقيقية أو تشجيع شركات وطنية مستقلة، يبدو أن المشروع صُمّم ليكون واجهة جديدة للمنظومة الاقتصادية التابعة للسلطة، التي تحتكر كل ما يمكن أن يُقدّم كإنجاز وطني.

 

أما "تاكسي العاصمة الإدارية"، فيُدار ظاهريًا تحت إشراف وزارة النقل، لكن التشغيل الفعلي تتولاه شركة خاصة تدعى Electric CapitalCab، تعمل ضمن منظومة مغلقة تخضع للجهات العسكرية والإدارية للعاصمة الجديدة، ما يعكس مركزية القرار وتحكم الدولة في كل تفاصيل القطاع.

 

جودة ضعيفة وسعر غير تنافسي

 

من الناحية التقنية، سيارة Dongfeng MAGE EV لا تُعد منافسًا حقيقيًا في السوق المصري، رغم سعرها المنخفض نسبيًا (حوالي 1,083,400 جنيه). سعة البطارية لا تتجاوز 50 كيلووات/ساعة، والمدى الفعلي لا يتعدى 400 كم، مع سرعة قصوى 130 كم/ساعة فقط، وهي أرقام متواضعة قياسًا بمثيلاتها من الشركات الصينية أو الكورية.

 

في المقابل، تقدم سيارات مثل BYD Atto 3 وMG ZS EV وHyundai Kona EV أداءً أعلى بكثير، ومدى أطول، وخدمات ما بعد البيع أفضل، ورسخًا سوقيًا متينًا. لذا فإن مشروع "النصر" لا ينافس فعليًا في السوق، بل يكتفي بالاستعراض الدعائي وتبرير فشل متكرر في إحياء صناعة السيارات الوطنية.

 

احتفاء رسمي بإنجاز مستورد

 

إن ما تسميه الحكومة "نقلة نوعية في النقل الأخضر" ليس سوى مشهد دعائي متكرر، يعكس سياسة النظام في تحويل المشاريع الجزئية إلى إنجازات كبرى أمام الإعلام، بينما يظل الواقع هشًا من الداخل. فالصناعة الوطنية الحقيقية لا تقوم على تجميع أجزاء أجنبية في مصانع حكومية مهجورة، بل على نقل التكنولوجيا، وتدريب الكوادر، وإنشاء منظومة تصنيع متكاملة من البطارية حتى الشحن.

 

أما في ظل غياب الشفافية وتداخل المصالح العائلية والاحتكارية، فإن مشروع "السيارة الكهربائية المصرية" يبدو أقرب إلى مسرحية ترويجية جديدة، هدفها تسويق الوهم للمواطن، لا بناء مستقبل صناعي حقيقي.

 

خاتمة

 

بكلمات المراقبين، "ليس دائمًا السعر المنخفض مغريًا، بل التجربة والموثوقية والمنافسة هي ما يصنع الرسوخ". أما ما تفعله الحكومة اليوم فهو بيع وهم “السيارة الوطنية” لشعبٍ أثقلته الأزمات، ليبدو أمام الكاميرات أن مصر دخلت عصر السيارات الكهربائية، بينما الحقيقة أنها ما زالت مجرد ورشة تجميع في يد السلطة لا في يد الصناعة.