في الوقت الذي تغرق فيه مصر في بحور من الأزمات الاقتصادية والاجتماعية، يبدو أن أرواح المواطنين باتت أرخص من أن تُحسب في حسابات السلطة. أكثر من 5,600 روح أُزهقت في حوادث الطرق حتى نهاية أكتوبر 2025، بمعدل 18 قتيلاً يوميًا، دون تحقيقات، دون استقالات، ودون محاسبة. لا السيسي كرئيس للجمهورية، ولا كامل الوزير كوزير للنقل، أبدوا أي قدر من المسؤولية السياسية أو الأخلاقية تجاه الدماء التي تسيل على طرقاتهم "الذكية" المصممة بالإهمال والرعونة.

 

وبينما يُلقى اللوم على "العامل البشري"، لا تزال الدولة تتجاهل الأسباب الحقيقية: الفساد، الغش في مواد الرصف، انعدام الرقابة، وغياب أي رؤية جادة للسلامة المرورية.

 

مذبحة يومية: 18 قتيلاً على مرأى من الدولة

 

بحسب تقارير رسمية وغير رسمية، يبلغ متوسط الوفيات اليومية الناتجة عن حوادث الطرق في مصر 18 حالة، مع إصابة 171 شخصًا يوميًا. هذا يعني أن حوادث المرور تقتل سنويًا أكثر مما تفعله بعض الحروب. في دول تحترم الإنسان، كانت هذه الأرقام كافية لإقالة حكومات بأكملها، لكن في مصر السيسي، لا أحد يُسأل ولا أحد يُحاسب.

 

وبينما أعلن "الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء" أن عدد الوفيات في عام 2024 بلغ 5,260 بانخفاض طفيف عن العام السابق، فإن 2025 شهد ارتفاعًا جديدًا بنسبة تصل إلى 15%، ما يعني أن "التحسن" كان مجرد وهم ترويجي، سرعان ما تبدد.

 

كامل الوزير... وزير الموت أم وزير النقل؟

 

منذ تولي كامل الوزير وزارة النقل، تحوّلت الطرق المصرية إلى مصائد موت. لا رقابة، لا صيانة، ولا كود هندسي يحترم حياة البشر. وعلى الرغم من الفشل الذريع والكارثي، لا يزال الوزير في منصبه، محصنًا ضد المحاسبة السياسية كغيره من رجال المؤسسة العسكرية المحظيين بثقة السيسي.

 

حادث المنوفية المأساوي في يونيو 2025، الذي أودى بحياة 19 فتاة وسائق ميكروباص، كشف زيف تصريحات الوزير، الذي أقرّ بوجود خلل في تصميم الطريق، واعدًا بخطة "تطوير عاجلة" بتكلفة 50 مليار جنيه، دون تفسير لماذا لم تتم هذه الخطط قبل إراقة دماء الضحايا. هل يجب أن يموت العشرات قبل أن يتحرك النظام؟

 

السيسي شريك في الفشل: صمت مريب ودماء على يديه

 

لم يظهر عبد الفتاح السيسي، القائد الأعلى لكل شيء في الدولة، أي تعاطف حقيقي مع الضحايا. لا زيارات لأهاليهم، لا لجان تقصي حقائق مستقلة، ولا مساءلة لأي مسؤول. في دول أخرى، كان رئيس الدولة يقدّم استقالته إذا قُتل هذا العدد من الأبرياء بسبب فشل إداري واضح. أما في مصر، فإن أرواح المواطنين ليست أكثر من أرقام تُطوى في التقارير السنوية.

 

السيسي الذي لا يتردد في التدخل في تفاصيل تافهة مثل شكل زي المدارس أو رسوم تراخيص الكلاب، يبدو عاجزًا تمامًا – أو غير مهتم – حين يتعلق الأمر بحياة البشر. هذا الصمت لا يمكن تفسيره إلا كشراكة صريحة في الجريمة.

 

تحميل "العامل البشري" المسؤولية: تهرب رسمي وقح

 

تستمر السلطة في تكرار روايتها المملة: السائقون غير مؤهلين، المشاة متهورون، والدراجات النارية خطر. لكن لماذا لا تسأل الدولة نفسها: من يُصدر الرخص؟ من يُفشل في تنظيم المرور؟ من يصمم طرقًا بدون معايير سلامة؟ من يتغاضى عن مواد رصف رديئة؟ الإجابة واضحة: وزارة النقل، تحت قيادة "فاشل الوزير"، برعاية مباشرة من السيسي.

 

أطفال ومشاة في مرمى الموت

 

رُبع الضحايا من الأطفال تحت سن 15 عامًا. ما الذي يبرر أن يُقتل طفل كل ساعة تقريبًا في حوادث يمكن منعها؟ كذلك فإن نسبة كبيرة من الضحايا هم من المشاة، الذين لا يجدون أرصفة أو جسورًا للمشاة في شوارع تحولت إلى ساحات قتل.

 

صمت الدولة = ضوء أخضر للموت

 

لا فتح لتحقيقات، لا محاسبة، لا محاكمات، فقط وعود خاوية ومؤتمرات صحفية فارغة. في ظل هذا المناخ، بات الموت على الطرق جزءًا من حياة المصريين اليومية. فهل ينتظر المصريون أن يكونوا رقمًا جديدًا في الإحصائيات؟ وهل سنرى يومًا يُحاسَب فيه من باعوا دماء الناس مقابل الصمت والخضوع؟

 

الدم لا يجف

 

مذبحة الطرق ليست قضاءً وقدرًا، بل نتيجة مباشرة لفشل السيسي وحكومته، وعلى رأسهم كامل الوزير. ما لم يكن هناك تغيير جذري، سيستمر هذا النزيف. فهل ينتظر المصريون المزيد من التوابيت، أم آن أوان المحاسبة الحقيقية؟