اُعتمدت أخيرًا، تسمية "العاصمة الجديدة "بديلاً عن العاصمة الإدارية التي يعتبرها قائد الانقلاب عبدالفتاح السيسي أكبر إنجازاته، وأيقونة "الجمهورية الجديدة"، وهو ما يفتح باب التساؤل مجددًا حول جدوى المشروع الذي التهم مليارات الدولارات من خزينة الدولة المصرية.

 

تُقدَّر التكلفة الإجمالية للمشروع، الذي تملكه وتديره شركة العاصمة الإدارية للتنمية العمرانية التابعة لحكومة الانقلاب، بنحو 58 مليار دولار. وتُبنى على مراحل، وتبلغ مساحتها الإجمالية المُحتملة 950 كيلومترًا مربعًا، وتبلغ طاقتها الاستيعابية 8 ملايين نسمة.

 

تخفيف الضغط على العاصمة القديمة

 

الأهداف الأوسع للمشروع كما هو معلن هو تخفيف الضغط على العاصمة القديمة - القاهرة الكبرى- التي تعد أكثر عواصم العالم ازدحامًا حيث يعيش فيها حوالي 18 مليون نسمة، ويقصدها يوميًا ملايين آخرين والتي من المتوقع أن يتضاعف عدد سكانها إلى ما يقرب من 40 مليون نسمة، في غضون العقدين القادمين.

 

لكن خبراء يشككون في قدرة المشروع على تخفيف الأعباء التي يواجهها المصريون الأكثر فقرًا في المناطق المتدهورة بالقاهرة والمدن الكبرى الأخرى التي تحتاج إلى استثمارات تحويلية. وتُعتبر أكثر من 70 بالمائة من المدن المصرية ذات إمكانات تنمية محدودة، وفقًا لدراسة تشخيصية للسياسة الحضرية الوطنية استشهد بها برنامج الأمم المتحدة للمستوطنات البشرية (الموئل). 

 

ويقول البرنامج إن "توفر السكن الميسور والمناسب والمتاح يشكل تحديًا يترك العديد من المصريين ذوي الدخل المنخفض يعيشون في مناطق غير رسمية ذات مستويات معيشية سيئة، وغالبًا ما يفتقرون إلى الوصول إلى الخدمات العامة الرئيسية ووسائل النقل". 

 

ويقول المخططون إنه من المخطط إنشاء ثمانية أحياء سكنية في العاصمة الإدارية الجديدة. ويشيرون إلى أن كل حي من أحياء المدينة سيضم "مناطق تجارية وإدارية، وحدائق، ومدارس، ومراكز شرطة، ومكاتب بريد، ومحطات وقود، وغيرها، بالإضافة إلى خدمات ضرورية أخرى لسكان العاصمة الإدارية الجديدة".

 

لكن المشروع لا يتضمن توفير سكن لمحدودي الدخل، حتى إن حكومة الانقلاب قررت توفير مساكن للموظفين الحكوميين في الوزاراتن التي تم نقل مقارها إلى العاصمة الإدارية بمدينة بدر القريبة، ولم تخصص لهم وحدات سكنية داخل العاصمة. 

 

لذا، فإن الادعاء بأن العاصمة الجديدة تستهدف تخفيف الضغط عن القاهرة القديمة يتنافى مع حقيقة أن المواطنين محدودي الدخل لن يكون لهم موطأ قدم داخل العاصمة، ولن يزوروها إلا قاصدين الوزارات الحكومية إما للعمل، أو للحصول على خدمة حكومية منها. وقد طرحت شقق سكنية فيها لا تقل الوحدة السكنية عن مليوني جنيه. 

 

إهدار موارد الدولة المحدودة


وينظر الخبراء إلى مشروع العاصمة الإدارية الجديدة باعتباره يمثل نموذجًا صارخًا لإهدار موارد الدولة المحدودة وتوريطها في قروض بمليارات الدولارات في ظل تردي الأوضاع الاقتصادية، وانهيار قيمة الجنيه، وتزايد تكاليف الحياة والأعباء على السواد الأعظم من المصريين.

 

فضلاً عن كونه لا يمثل أولوية في الذي قال فيه قائد الانقلاب عقب وصوله إلى السلطة في مصر: "نحن فقراء أوي"، وهو اعتراف يجعل من التورط في مشاريع بهذه الضخامة ضربًا من السفه والجنون. لكن في مصر الآن لا شيء يمتاشى مع المنطق، ولا علاقة له بالواقع الأليم الذي يحياه المصريون تحت حكم الانقلاب. 

 

لم تهتم حكومة الانقلاب سوى بالسعي إلى كل شيء يحمل وصف "أكبر"، فقامت ببناء أكبر مسجد وأكبر كنيسة والبرج الأيقوني بالعاصمة الإدارية، وغيرها من مشاريع يطغى عليها الطابع الدعائي أكثر من كونها تلبي الاحتياجات والمطالب الفعلية لسكان هذه العاصمة.

 

إنجازات وهمية

 

وعلى الرغم من مرور البلاد بركود اقتصادي، فإن الترويج لمشروع العاصمة الإدارية باعتباره رمزًا للجمهورية الجديدة التي يبشر بها الإعلام الموالي للأجهزة الأمنية في مصر، الغرض منه هو بيع أوهام الإنجازات والنجاحات للمصريين الغارقين في سلسلة لا تنتهي من الأزمات، مع تآكل القيمة الشرائية للجنيه، وارتفاع معدلات التضخم إلى أرقام لا مثيل لها.

 

في حين أنه لا يبدو أن هؤلاء الذي يشكلون الركيزة الأساسية للمجتمع المصري سيجنون الفوائد من عاصمة لن يكونوا في يوم من الأيام من سكانها، لأنها أنشأت في الأساس لطبقة من المصريين تبحث عن التميز، وتميل إلى العيش في مجتمعات منغلقة على نفسها. 

 

يقول نيكولاس سيمسيك أريس، رئيس قسم التاريخ والنظرية في جمعية العمارة بلندن، والذي أجرى أبحاثًا ميدانية مكثفة في القاهرة، إنه من الممكن أن تجذب العاصمة الجديدة الأعمال، وخاصة "الشراكات الثنائية رفيعة المستوى" ورأس المال الأجنبي الذي قد يعزز الاقتصاد. 

 

وأضاف لشبكة CNN: "مع ذلك، فإن السؤال الأهم فيما يتعلق بالفوائد الاقتصادية للدول هو لمن تعود؟ ومن شبه المؤكد أن هذه الفوائد ستعود فقط على شريحة صغيرة جدًا من السكان".

 

ويشير إلى تاريخٍ حافلٍ لقادة مصريين شيدوا مدنًا تابعة قريبة من القاهرة كمشاريع تحويلية، مثل "السادس من أكتوبر" و"القاهرة الجديدة"، اللتين أُنشئتا عامي 1979 و2000 على التوالي. 

 

ويقول إن هذه المدن اليوم عبارة عن مجتمعات سكنية مغلقة بالكامل تقريبًا، تُلبي احتياجات الطبقة المتوسطة العليا، وغالبًا ما تكون مليئة بالوحدات السكنية الشاغرة

 

يُقرّ سيمجيك أريس باكتظاظ القاهرة، لكنه يتساءل إن كان الحل يكمن في بناء مدينة جديدة. ويقول: "لا تقتصر مشكلة ازدحام القاهرة على النمو السكاني الجامح، بل تمتد إلى قدرة الناس على الحصول على سبل عيش كريمة في مناطقهم".

 

وأضاف: "هناك الكثير من المخزون السكني الحالي في القاهرة والذي يمكن العمل فيه بشكل مثالي، وإذا أنفقت الحكومة حتى جزء صغير من هذا الاستثمار على مساعدة الناس في تشغيل مدنهم الحالية، أعتقد أن مسألة الاكتظاظ السكاني سوف تختفي بسرعة كبيرة".