في مشهد أقرب إلى العصور الملكية، احتفلت الدولة المصرية بافتتاح المتحف المصري الكبير بحضور 79 وفدًا رسميًا، من بينهم ملوك ورؤساء وأمراء من مختلف أنحاء العالم.
لكن خلف هذا البهرج الإعلامي والاحتفال الاستثنائي، يبرز سؤال جوهري: من يدفع ثمن هذا الاستعراض الباذخ؟ في وقت تشهد فيه البلاد أزمات اقتصادية متفاقمة، وتعيش ملايين الأسر تحت خط الفقر، يبدو أن كلفة هذا "الحدث التاريخي" قد وقعت - مرة أخرى - على أكتاف البسطاء.
 

أسماء لامعة... على نفقة شعبٍ منهك


من بلجيكا إلى اليابان، ومن السعودية إلى كندا، استقبلت مصر وفودًا من أكثر من 70 دولة، بينهم ملوك وملكات، رؤساء دول، ورؤساء وزراء. هذا الكم من الضيوف الرفيعين لا يحضر دون كلفة باهظة: طائرات خاصة، مواكب حراسة، فنادق فاخرة، وجبات فاخرة، وتنقلات من الدرجة الأولى، كلها على حساب الدولة، أي على حساب المواطن المصري الذي يُطلب منه باستمرار "شد الحزام".

 

في الوقت الذي يُطلب من المواطن دفع ضرائب جديدة، وتُرفع عليه أسعار الوقود والكهرباء، يُنفق النظام ببذخ على تجميل واجهته الدولية، وكأن الفقراء مدينون له برغيف خبزهم ليظهر بمظهر الزعيم المستنير أمام العالم.
 

احتفالية القصور... وأحياء لا تصلها المياه


بينما احتضنت قاعات المتحف حفلات العشاء الفاخرة والاستعراضات الفنية، لا تزال مئات القرى المصرية تعاني من انعدام البنية التحتية الأساسية. هناك قرى لا تصلها المياه النظيفة، ولا شبكات صرف صحي، ولا مدارس مؤهلة. أليس من أولى بالميزانية الطائلة التي أُنفقت على الحفل أن تُوجَّه لتحسين حياة هؤلاء؟ أم أن التلميع الخارجي أهم من جوهر الدولة ومواطنيها؟
 

من يدفع للفنادق الفاخرة؟


لم يعلن النظام بشفافية عن الميزانية المخصصة لاستضافة كل هذا الكم من الشخصيات والوفود. لكن ما هو معروف في البروتوكولات الدولية أن الجهة المستضيفة تتحمل جزءًا كبيرًا من تكاليف الإقامة والتنقل والتنظيم. ونحن نتحدث هنا عن إقامة عشرات الرؤساء وأمراء الدول في فنادق من فئة الخمس نجوم، وتوفير مواكب أمنية، وتنظيم حفلات واستعراضات على أعلى مستوى.

 

وبينما تنقل القنوات صور البذخ على الهواء مباشرة، يعيش أكثر من 30% من سكان مصر تحت خط الفقر بحسب تقارير الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء.
 

من يحاسب على هذا التبذير؟


ليست المشكلة في افتتاح متحف أو الاحتفاء بالحضارة المصرية – فهذا شيء مشرّف – بل في الكيفية والمبالغة. هل من المقبول أن ينفق النظام ملايين الدولارات من أجل حفل، بينما تُطالب الأسر الفقيرة بالتقشف والصبر؟ من يحاسب على هذا التناقض الصارخ بين الخطاب الرسمي حول "الأزمة الاقتصادية العالمية" وبين أفعال تناقضه تمامًا؟
 

حضارة عظيمة... ونظام عاجز عن العدالة


المفارقة الكبرى أن المتحف يُجسد حضارة عظيمة بُنيت على الإبداع والعدالة والتنظيم، لكن النظام الحالي يستخدمه كأداة للزينة السياسية، وليس للنهضة الحقيقية. فالاستثمار في الثقافة لا يكون من خلال حفل لمدة ساعة ونصف، بل من خلال تمكين الإنسان المصري، وتعليمه، وتحسين حياته.
 

خاتمة: تجميل القبح لا يغيّر حقيقته


قد ينجح الحفل في إثارة إعجاب وسائل الإعلام الدولية لساعات، لكنه لن يغيّر حقيقة أن ملايين المصريين يشعرون بالغربة في وطنهم. الوطن الذي تُدار فيه الأولويات بالمقلوب: تُصرف فيه الملايين على الوفود والقصور، بينما يُترك المواطن يحلم بلقمة نظيفة وتعليم محترم لأبنائه.

 

إن تجميل القبح لا يغيّر من طبيعته، ومهما بدا الافتتاح مبهرًا، فإن العدسة الأصدق هي عدسة الفقير الذي يدفع – مجبرًا – فاتورة الواجهة المزيفة.