في ٢٤ أكتوبر ٢٠٢٥، أعلنت إثيوبيا أنّ سد كويشا اقترب من ارتفاع موجّه يعادل ١٢٨ مترًا ضمن مشروع تجريبي كبير للطاقة، في تأكيد على أنّ أديس أبابا لن تتوقّف عند بناء مشروع واحد بل تسير في ركاب بناء السدود.

هذا التوجه يضع مصر، التي تعتمد إلى حدٍ كبير على مياه النيل، في موقف حرج أمام أولويّات غير مائية تُبيّن أن عدداً من الموارد دخلت في منافسة واضحة بين التنمية و«استعراض الصور».

في حين يعلِق النظام الانقلابي بقيادة عبد الفتاح السيسي على مشروع المتحف المصري الكبير الضخم قرب الأهرامات بتكلفة تُقدَّر بأكثر من مليار دولار، ويُستخدم كمظهر خارجي لاستعراض القوة، بينما يشرب المصريون من تحلية مياه الصرف الصحي وتتصاعد نداءات منظمات حقوق الإنسان بشأن حملة واسعة من القمع والحدّ من الحريات.

 

سدّ كويشا: إثيوبيا تؤكّد القرار المائي والتنمية

يُعدّ سدّ كويشا مشروعاً استراتيجياً في جنوب غرب إثيوبيا، على نهر أومو، بطاقة إنتاجٍ تتجاوز 1,800 ميغاواط، وتكلفة تقديرية تقترب من 2.7 مليار دولار.

في تصريح رسمي، وصف رئيس الوزراء الإثيوبي أبي أحمد المشروع بأنه «رمز للتصميم» ومُنگِز للتنمية، قائلاً إن إثيوبيا «لن تتراجع» عن بناء السدود.

بينما يرى الخبراء المصريون أن هذا المشروع — وإن كان خارج الحوض التقليدي للنيل الأزرق — يُضخّ رسالة سياسية بأن إثيوبيا أصبحت صاحبة قرار مياه مستقلّ، مثلما قال المهندس المصري السابق محمد نصر علام بأن “السد يحمل دلالات سياسية أكثر من كونه مجرد مشروع توليد طاقة”.

 

القاهرة في اتجاه «الاستعراض»: المتحف وصرف المليارات

على الجانب الآخر من المشهد، تقدّم الحكومة المصرية مشروع المتحف المصري الكبير الذي يُفتتح رسميّاً في نوفمبر ٢٠٢٥، بتكلفة تُقدَّر بأكثر من مليار دولار.

رغم أن المشروع يُروَّج له كمتحف حضاري وطموح ثقافي، إلا أن كثيراً من التحليلات تشير إلى أن توقيته وتكلفته العالية تُقابَلان في الداخل بارتفاع الأسعار وتراجع الخدمات الأساسية، ما يُطرح تساؤلاً حول أولويات الإنفاق العام.

يرى المحلل الاقتصادي رشاد عبده أن “المال يُوظّف لتجميل الصورة الخارجية، لكن المواطن الداخلي لا يرى ثمرة إنفاقه”.

 

القمع الداخلي وتراجع الحريات

بالتزامن مع هذه المشاريع، تواصل السلطات المصرية حملة تصعيدية في المجال الأمني: مراقبة أوسع، توقيفات لمحتوى الإنترنت، تضييق على الصحافة والمجتمع المدني.

وفق تقرير هيومن رايتس ووتش في سبتمبر ٢٠٢٥، “السلطات المصرية أطلقت حملة اعتقالات جماعية تستهدف صناع المحتوى على الإنترنت، بما في ذلك نساء وطفل”.

وقالت مبادرة حقوق الإنسان المصرية في إعلان بتاريخ ١٩ أكتوبر ٢٠٢٥ إنه “يُمارَس قمع جديد على غير المتدينين والمعارضين وجهات مدنية”.

ويشرح المحلل السياسي يسري العزباوي أن “ما يجري ليس فقط إدارة أمنية، بل إعادة تصميم الدولة نحو احتكار الصورة وإسكات الأصوات”.

 

مفارقة الأولويات: بناء هنا واستعراض هناك

بين إثيوبيا التي توجّه استثماراتها نحو بنيات إنتاجية – كهرباء وسدود تؤَسّس لمستقبل – ومصر التي تبدِّي رغبة في مظهر خارجي قوي بينما تتراجع قاعدة الحقوق والخدمات، تتكشف المفارقة. فسدّ كويشا ليس فقط مشروعاً فنّياً، بل محرك سياسي.

وفي المقابل، تُعقد حفلات افتتاح كبرى وصرف مليارات على مشاريع بارزة، في حين تئنّ شرائح واسعة من المجتمع من الأزمات الاقتصادية والانتهاكات الحقوقية.

ويقول الخبير الإستراتيجي غريغوري أفندانليان إن “التركيز على الخارج كرافعة شرعية للنظام لا يعوّض عن فشل الاقتصاد داخلياً أو هشاشة الحوكمة”.

وختاما فإنّ ما يحدث في هذه الفترة ليس مجرّد تجمع لأحداث منفصلة، بل عبارة عن مشهد يعكس خيارات حاسمة للدولة والمجتمع: هل نُركّز على بناء الإنسان والمستقبل أم على بناء الصورة العابرة؟ إن إثيوبيا عبر سدّ كويشا اختارت بناء القدرات، بينما في مصر تبدو الصورة أولاً، لكن السؤال يبقى: هل يستطيع المواطن أن يعيش الصورة؟ إنّ إنفاق المليارات على مشروع ضخم لا يُعدّ إنجازاً ما لم يقترن بتحسين حقيقي في حياة الناس، والحريات، ومدى عَدل توزيع الموارد. وأمام هذا التناقض، تبدو مصر في حاجة ماسة إلى إعادة ترتيب أولوياتها قبل أن تُحوّل إنجازاتها إلى مجرد عرضٍ بلا مضمون.