في خطوة غير مسبوقة، أطلق مئات من الكتاب والصحفيين من مختلف أنحاء العالم حملة مقاطعة لصحيفة نيويورك تايمز احتجاجًا على انحياز الصحيفة المتكرر للسردية الصهيونية في تغطياتها للقضية الفلسطينية والصراع العربي-الإسرائيلي.

تطور هذا الموقف في ظل تزايد الانتقادات الدولية تجاه السياسة الإسرائيلية في الأراضي الفلسطينية المحتلة، وخصوصًا بعد الانتهاكات المتكررة لحقوق الإنسان في غزة والضفة الغربية.

هذه المقاطعة، التي تشمل مئات الكتاب من مختلف الجنسيات والتوجهات، تمثل احتجاجًا قويًا ضد التغطية المنحازة التي تقدمها الصحيفة، خصوصًا فيما يتعلق بتعاطيها مع الأحداث في الأراضي الفلسطينية.

ومن أبرز الموقعين على المقاطعة، يمكن أن نذكر عددًا من الكتاب المشهورين مثل إيان براج، وليلى العز، ومحمد الأطرش، حيث تعهدوا بوقف تعاملهم مع الصحيفة حتى يتم تعديل سياستها التحريرية.

 

الانحياز للسردية الصهيونية: أسباب المقاطعة

لطالما كانت نيويورك تايمز تُعتبر منبرًا هامًا في تقديم الأخبار والتحليلات حول الصراع الفلسطيني-الإسرائيلي، لكنها تعرضت لانتقادات متزايدة من قبل العديد من الكتاب والصحفيين بسبب انحيازها الواضح للجانب الإسرائيلي. النقاد يرون أن الصحيفة تتبنى غالبًا السردية الصهيونية وتقدم تصويرًا غير دقيق أو منحاز للأحداث، خاصة فيما يتعلق بتصعيد العنف من قبل الاحتلال الإسرائيلي.

في كثير من الأحيان، تُسهم الصحيفة في تبرير العمليات العسكرية الإسرائيلية ضد الفلسطينيين، وفي نفس الوقت تتجنب تسليط الضوء على العنف الممارس ضد الفلسطينيين، مما يساهم في دعم الرواية الإسرائيلية بدلاً من تقديم صورة دقيقة وموضوعية.

من الأمثلة على ذلك، قيام الصحيفة باستخدام مصطلحات مثل "الردود الإسرائيلية" عند الحديث عن الهجمات العسكرية الإسرائيلية، بينما تتجنب تسليط الضوء على الأضرار البشرية التي تنجم عن هذه الهجمات. ويرى النقاد أن هذه الممارسات تُساهم في تقديم الصورة الخاطئة عن الصراع، وتزيد من تعقيد قضية حقوق الإنسان في فلسطين.

 

أبرز المقاطعين: دعوة لتغيير التغطية الصحفية

من بين الكتاب البارزين الذين قادوا حملة المقاطعة ضد نيويورك تايمز، نجد أسماء مثل إيان براج، الصحفي الأمريكي الذي كتب عن آثار الاحتلال الإسرائيلي في فلسطين، وليلى العز، الكاتبة الفلسطينية التي طالما انتقدت وسائل الإعلام الغربية لتجاهلها معاناة الفلسطينيين.

كما انضم إلى الحملة أيضًا الكاتب المصري محمد الأطرش، المعروف بمقالاته الناقدة لسياسات الغرب تجاه القضية الفلسطينية.

هؤلاء الكتاب وغيرهم من الموقعين على بيان المقاطعة عبّروا عن استيائهم من الطريقة التي تتناول بها نيويورك تايمز الأحداث في الأراضي الفلسطينية، واعتبروا أن الصحيفة تروج لأيديولوجيا صهيونية بدلاً من التزامها بالمبادئ الأساسية للعمل الصحفي.

وقد جاء في البيان الذي وقع عليه هؤلاء الكتاب: "إننا لا يمكننا الاستمرار في دعم صحيفة تدير تغطية إخبارية منحازة وغير متوازنة للصراع الفلسطيني-الإسرائيلي، والتي تساهم في تعزيز الرواية الإسرائيلية على حساب حقوق الفلسطينيين ومعاناتهم". يطالب الموقعون الصحيفة بتغيير سياستها التحريرية وإعطاء مساحة أكبر للروايات الفلسطينية والموضوعية بشأن الصراع.

 

المقاطعة وتأثيرها على نيويورك تايمز

تُعد نيويورك تايمز واحدة من أعرق الصحف في العالم، وبالتالي فإن المقاطعة التي يقودها مئات من الكتاب تعتبر ضربة قوية لمصداقيتها ولثقة قرائها الدوليين. الصحيفة الأمريكية التي كانت تعتبر مرجعية في مجال الصحافة، تواجه الآن تحديًا حقيقيًا في ظل هذه المقاطعة الواسعة التي تُظهر انقسامًا في الآراء حول طريقة تغطيتها للقضايا الدولية، خاصة تلك المتعلقة بالشرق الأوسط.

ويُتوقع أن تؤثر هذه المقاطعة بشكل مباشر على جاذبية الصحيفة بين القراء في العالم العربي والعالمي. في ظل تزايد منصات الإعلام البديلة، أصبحت الصحف التقليدية، مثل نيويورك تايمز، بحاجة إلى التكيف مع تطلعات جمهورها، بما في ذلك إعطاء مزيد من المساحة لتغطية محايدة وموضوعية للقضايا الشائكة مثل القضية الفلسطينية.

 

الضغوط الدولية على الصحافة الغربية

تأتي هذه المقاطعة في وقت يشهد فيه العالم اهتمامًا متزايدًا بالقضايا الإنسانية في فلسطين. تزايدت الضغوط الدولية على وسائل الإعلام الغربية لتبني مواقف أكثر توازنًا وإنصافًا، وتجنب الانحياز إلى طرف على حساب الآخر.

كما أن ظهور وسائل الإعلام الرقمية المستقلة وتزايد عدد الصحفيين العرب في الخارج يعزز من قدرة الصحافة على مواجهة الهيمنة الإعلامية الغربية التي طالما تجاهلت الحقائق الميدانية في فلسطين.

وفي المجمل فإن مقاطعة نيويورك تايمز من قبل مئات من الكتاب والصحفيين تمثل خطوة غير مسبوقة في عالم الإعلام، وتسلط الضوء على الحاجة الماسة للإعلام الغربي لتغيير طريقة تعامله مع القضايا الكبرى مثل الصراع الفلسطيني-الإسرائيلي.

هذه المقاطعة تأتي كجزء من حركة أكبر تطالب بالعدالة والمساواة في التغطية الإعلامية، وتطالب الصحف الكبرى مثل نيويورك تايمز بتبني سياسة أكثر توازنًا وحيادًا في تغطية الصراع. يبقى السؤال: هل ستستجيب الصحيفة لمطالب الكتاب والمجتمع الدولي، أم ستستمر في دعم الرواية الصهيونية على حساب حقوق الفلسطينيين؟