تشهد مدينة الفاشر، عاصمة ولاية شمال دارفور، واحدة من أسوأ الكوارث الإنسانية في تاريخ السودان الحديث، بعد أن تحولت خلال الأيام الأخيرة إلى مسرح لعمليات قتل ممنهجة، واعتداءات وحشية تنفذها مليشيات الدعم السريع المدعومة من دولة الإمارات، ضد المدنيين والعاملين في المجال الإنساني، في ظل صمت عالمي وغياب شبه كامل لأي تحرك دولي جاد لوقف هذه الجرائم.
وخلال الساعات الماضية، تداول ناشطون على مواقع التواصل الاجتماعي مقطع فيديو صادم يوثق لحظة اعتداء عناصر من مليشيا الدعم السريع على أفراد من طاقم الهلال الأحمر السوداني في مدينة الفاشر، في انتهاك صارخ لكل القوانين الدولية التي تحمي العاملين في الإغاثة والإنقاذ الإنساني.
ويظهر في المقطع المسلحون وهم ينهالون بالضرب والإهانة على أفراد الهلال الأحمر، قبل أن يجبرونهم على مغادرة المكان تحت التهديد بالسلاح.
https://x.com/AlArabiya/status/1983085058178036093
انهيار إنساني شامل.. والفاشر تتحول إلى مدينة أشباح
منذ سيطرة الدعم السريع على مدينة الفاشر، تشهد المدينة حالة من الفوضى والرعب، بعد عمليات نهب واسعة للمنازل والمستشفيات والمقار الإنسانية، واختفاء مئات المدنيين.
وتشير تقارير ميدانية إلى أن آلاف الأسر نزحت من المدينة باتجاه المناطق الريفية، بينما عجزت المنظمات الإنسانية عن الدخول لتقديم أي نوع من المساعدة.
ويقول شهود عيان إن المدينة تحولت إلى مدينة أشباح، بعد أن خلت الشوارع من المارة، وتقطعت سبل الاتصال والإنترنت، ما جعل من الصعب توثيق حجم الكارثة بالكامل.
مجازر دامية وتصفية على الهوية
أعلنت القوة المشتركة لحركات الكفاح المسلح المساندة للجيش السوداني، أن مليشيا الدعم السريع ارتكبت خلال يومي 26 و27 أكتوبر مجازر وصفتها بـ"الإبادة الجماعية"، راح ضحيتها أكثر من ألفي مدني أعزل، معظمهم من النساء والأطفال وكبار السن.
وأشارت إلى أن المليشيا نفذت عمليات تصفية جماعية على أسس عرقية وإثنية، في تكرار مروّع لجرائم الحرب التي شهدها إقليم دارفور مطلع الألفية.
وأظهرت مقاطع مصوّرة متداولة مقاتلي الدعم السريع وهم يطلقون النار على الأسرى والمدنيين الفارين من المدينة، بينما ظهر آخرون وهم يعتدون على موظفي الهلال الأحمر السوداني، في انتهاك موثّق للقانون الدولي الإنساني.
وطالبت القوى المسلحة المجتمع الدولي والأمم المتحدة بتصنيف "الدعم السريع" منظمة إرهابية، محمّلة الإمارات وتحالف "تأسيس" الداعم للمليشيا المسؤولية الكاملة عن الجرائم المرتكبة، التي ترقى إلى جرائم حرب وإبادة جماعية تستوجب المحاسبة أمام المحكمة الجنائية الدولية.
اختطاف الأطباء وابتزاز ذويهم
وفي تصعيد جديد ضد الكوادر الطبية والإنسانية، أعلنت شبكة أطباء السودان أن قوة تابعة للدعم السريع اختطفت ستة من الأطباء والممرضين أثناء أداء مهامهم داخل الفاشر، وطالبت بفدية مالية بلغت 100 مليون جنيه سوداني لكل طبيب مقابل إطلاق سراحه.
وأوضحت الشبكة أن ما يجري هو عمل إجرامي منظم يهدف إلى شلّ المنظومة الصحية وإرهاب الأطباء والعاملين في القطاع الإنساني، مطالبة منظمة الصحة العالمية والأمم المتحدة بالتدخل العاجل لضمان سلامة الطواقم الطبية المحتجزة.
كما أشارت تنسيقية لجان المقاومة في الفاشر إلى أن العديد من المتطوعين في المطابخ الخيرية والأطباء والممرضين ما زالوا في عداد المفقودين، في حين تمكّن البعض من الهروب إلى مناطق أكثر أماناً.
وأضافت أن "من تبقّى في المدينة من المدنيين، بين قتيل أو مفقود لا يُعرف له أثر"، مؤكدة أن المليشيا تمارس سياسة الأرض المحروقة وتستهدف كل مظاهر الحياة المدنية.

