رحيل مبكر يختصر المأساة
في الرابع من سبتمبر عام 2019، فُجع كثير من المصريين والعالم العربي بخبر وفاة عبد الله محمد مرسي، نجل الرئيس المصري الراحل محمد مرسي، أول رئيس مدني منتخب في تاريخ مصر الحديث. عبد الله، الذي لم يتجاوز 24 عامًا، رحل إثر أزمة قلبية مفاجئة، لكن ظروف وفاته ومكانته الرمزية أثارتا الكثير من التساؤلات، خاصة لدى معارضي النظام الذين اعتبروا رحيله امتدادًا لمأساة سياسية وإنسانية متواصلة تعيشها مصر منذ الانقلاب العسكري في 2013.
ورغم قِصر حياته، فإن عبد الله بات أيقونة صغيرة في مشهد معقد، يُستحضر اسمه كلما عادت الذاكرة إلى المحاكمات السياسية، وظروف السجون، وتاريخ والده الذي ما زالت سيرته ملهمة للكثيرين، ومثيرة للجدل في الأوساط السياسية.
عبد الله مرسي: شاب في قلب العاصفة
لم يكن عبد الله شخصية سياسية بالمعنى التقليدي، لكنه في السنوات الأخيرة من حياته اختار أن يتحدث علنًا عن ما تعرضت له أسرته، خاصة والده، من انتهاكات وسوء معاملة في السجن. كتب وأدلى بتصريحات أثارت اهتمام الإعلام العربي والدولي، كما خضع للتحقيق عدة مرات، وأُلقي القبض عليه لفترات، قبل أن يرحل وهو خارج أي منصب رسمي، لكن في موقع بالغ الرمزية.
كان عبد الله الشاهد الأقرب على ما وصفه بـ"اغتيال والده داخل السجن بالإهمال الطبي"، وعبّر عن ذلك في تصريحات شهيرة، قال فيها إن "السلطة قتلت والده عمدًا"، مؤكدًا أنه لن يصمت عن ذلك. وتحوّلت هذه التصريحات إلى عبء ثقيل عليه، إذ واجه ضغوطًا أمنية ونفسية متواصلة، حسب روايات مقربين.
وفاة غامضة.. وأسئلة لم تُجب
بحسب الرواية الرسمية، توفي عبد الله إثر أزمة قلبية أثناء قيادة سيارته، إلا أن الأسرة ومحاميه تساءلوا عن سبب تدهور حالته المفاجئ، مشيرين إلى أن الشاب لم يكن يعاني من مشكلات صحية سابقة، ما زاد الشكوك حول ظروف وفاته. كما أثيرت تساؤلات حول الإسعاف الذي نقله، وغياب أي تحقيق قضائي مستقل، وهي نقاط لم تجد إجابة حتى اليوم، خاصة في ظل مناخ سياسي لا يسمح بكشف الحقائق بسهولة.
الوفاة المفاجئة بعد 79 يومًا فقط من وفاة والده داخل قاعة المحكمة، أضفت طابعًا مأساويًا على القصة كلها، وحوّلت عبد الله إلى رمز مظلوم آخر في سلسلة ممتدة من الشخصيات السياسية والحقوقية التي قضت في ظل ظروف أمنية غامضة أو داخل السجون.
رسالة تتجدد سنويًا: من التوثيق إلى الفعل
كل عام، تعود ذكرى عبد الله لتذكّر بما جرى للرئيس مرسي وأسرته، ولتسليط الضوء على ملف المعتقلين السياسيين في مصر، خاصة فئة الشباب الذين تم الزج بهم في السجون لمجرد الانتماء السياسي أو التعبير عن الرأي. تحيي منظمات حقوقية ومجموعات سياسية هذه الذكرى كجزء من حملة مستمرة لتوثيق الانتهاكات والمطالبة بالإفراج عن المعتقلين.
وقد دشنت الأسرة وأصدقاء الراحلين "مؤسسة مرسي للديمقراطية" لتكون منبرًا لحفظ سيرتهما، والدفاع عن الحريات السياسية وحقوق الإنسان، في الداخل المصري وفي العالم. هذه المؤسسة تشكّل أحد المسارات التي سلكها أنصار الرئيس الراحل لإبقاء إرثه حيًا، عبر العمل الحقوقي والدولي.
رمزية عبد الله: ما بين السياسة والوجدان
في سياق الحراك الديمقراطي في مصر، لا يمكن فصل ذكرى عبد الله محمد مرسي عن السياق السياسي الأوسع، حيث تمثل قصته تجسيدًا لفقدان العدالة السياسية، وانعكاسًا لحجم المظلومية التي لحقت بأسر كاملة دفعت ثمن مواقفها. كثيرون يرون في عبد الله صوت جيل صامت، لم يُتح له المجال للمشاركة السياسية، وانتهى به الحال بين المطاردة والتهميش، ثم الرحيل.
كما أن الطريقة التي تُستحضر بها ذكراه سنويًا تعكس رغبة قوية في إبقاء الذاكرة حية ضد محاولات الطمس أو التشويه، وتقديم وجه إنساني للقضية السياسية، حيث لا يتعلق الأمر بمرشح أو زعيم فحسب، بل بشاب كانت حياته تدور حول الحلم والحرية، لا أكثر.
ةأخيرًا من عبد الله إلى آلاف الصامتين
ذكرى وفاة عبد الله محمد مرسي ليست مجرد لحظة عاطفية، بل محطة تقييم لما وصلت إليه الحقوق والحريات في مصر. هي فرصة لإعادة طرح الأسئلة الكبرى: من يُحاسَب على الانتهاكات؟ كيف يُصان كرامة الإنسان؟ ومتى تتحقق العدالة لأسر فقدت أبناءها في ظروف غامضة؟ في ظل هذا المشهد، تبقى قصة عبد الله مرسي صفحة مؤلمة، لكنها ضرورية لفهم عمق الأزمة السياسية، وأهمية أن يبقى صوت الضحية حيًا في ذاكرة الشعوب الباحثة عن الحرية.

