أثارت زيارة قائد الانقلاب عبدالفتاح السيسي إلى بروكسل لحضور أول قمة رسمية بين مصر والاتحاد الأوروبي، والتي قدم خلالها مليارات الدولارات من المساعدات والاستثمارات لتعزيز التعاون الاقتصادي مع مصر، حفيظة ناشطين معارضين تجاه ما قالوا إنها "مكافأة لحكومة استبدادية".
في الوقت الذي أكد فيه خبراء للإذاعة الألمانية (دويتشه فيله)، أن الاتحاد الأوروبي بحاجة إلى مصر إذا أراد تقديم المساعدة في غزة والحد من الهجرة إلى أوروبا.
ووقّع الاتحاد الأوروبي ومصر مذكرة تفاهم بقيمة 4 مليارات يورو (4.6 مليار دولار) تأتي ضمن حزمة تمويل تُقدر بـ5 مليارات يورو، تم توقيعها في مارس 2024، منها مليار يورو حصلت عليه مصر بالفعل في نهاية ديسمبر الماضي.
وأثار احتضان الاتحاد الأوروبي العلني للسيسي حفيظة نشطاء مثل "هيومن رايتس ووتش"، التي انتقدت "القمع المنهجي" الذي تمارسه مصر ضد الأصوات المعارضة.
وصرح كلاوديو فرانكافيلا، المدير المساعد لشؤون مناصرة الاتحاد الأوروبي في "هيومن رايتس ووتش"، بأن أموال الاتحاد الأوروبي "تُموّل الاستبداد لإبعاد المهاجرين وطالبي اللجوء عن شواطئ أوروبا".
لكن الخبراء قالوا إن القمة المصرية – الأوروبية فتحت صفحة جديدة في علاقة الاتحاد الأوروبي مع السيسي الذي جاء إلى السلطة في انقلاب عام 2013، الذي أدانته الكتلة الأوروبية في ذلك الوقت.
وصرحت كريستينا كوش، نائبة المدير العام لمركز أبحاث صندوق مارشال الألماني للولايات المتحدة: "لقد فرش الاتحاد الأوروبي السجادة الحمراء للسيسي. لقد زال التردد الذي كان لدى الاتحاد الأوروبي (في التعامل مع زعيم استبدادي)، والقمة تُجسّد ذلك".
الهجرة إلى أوروبا
وخلال القمة التي عقدت أمس الأربعاء، ناقش الجانبان مستقبل غزة والتعاون في مجال البحث العلمي من خلال إدراج مصر في برنامج هورايزون الرائد للاتحاد الأوروبي والذي تبلغ قيمته عدة مليارات من اليورو.
كان التركيز منصبًّا على التجارة والاستثمارات، حيث وصف السيسي مصر بأنها وجهة مثالية للاستثمارات الأوروبية في قطاعات تشمل الأدوية واللقاحات والطاقة الخضراء. وكانت أوكرانيا أيضًا على جدول الأعمال، حيث ناقش الجانبان سبل الضغط على روسيا للانضمام إلى طاولة المفاوضات لإنهاء الحرب الدائرة.
وخلال اجتماع مع كبيرة الدبلوماسيين في الاتحاد الأوروبي كايا كالاس، ادعى السيسي أن له الفضل في انخفاض أعداد المهاجرين القادمين إلى أوروبا.
قال لكلاس: "لم تتأثر أوروبا بشكل كبير بالهجرة غير الشرعية" لأن مصر نجحت في إيقافها. وفي إطار الشراكة البالغة 7.4 مليار يورو التي وُقّعت العام الماضي، قدّم الاتحاد الأوروبي دعمًا لمصر لمكافحة تهريب البشر وتعزيز أمن الحدود.
انتهاكات خفر السواحل الليبي
قال محللون إن الهدف من هذا الدعم هو تعزيز الاقتصاد المصري، واحتواء تدفق المهاجرين من مصر نفسها في المقام الأول. تعاني مصر من ارتفاع التضخم وارتفاع تكاليف المعيشة، وكان المصريون من بين ملايين المهاجرين الذين تدفقوا إلى أوروبا في السنوات الأخيرة.
قال أنتوني دوركين، الخبير في شؤون شمال أفريقيا بالمجلس الأوروبي للعلاقات الخارجية: "لم تكن هناك أعداد كبيرة من المهاجرين الذين يغادرون مصر مباشرةً إلى أوروبا". وأضاف: "حافظت مصر على سيطرة جيدة نسبيًا (على حدودها البحرية)".
وبحسب أحدث البيانات الصادرة عن "فرونتكس"، وكالة الحدود التابعة للاتحاد الأوروبي، انخفضت الهجرة غير النظامية إلى الاتحاد الأوروبي بنسبة 21 بالمائة في الأشهر الثمانية الأولى من هذا العام مقارنة بالعام السابق، وبنسبة 52 بالمائة مقارنة بالفترة نفسها في عام 2023.
عزا تحليلٌ نُشر في مجلة "الإيكونوميست" أواخر سبتمبر هذا التراجع إلى تشديد الرقابة على الحدود الخارجية للاتحاد الأوروبي، وإلى مجموعةٍ من الاتفاقيات بين الاتحاد الأوروبي ودولٍ مثل مصر وتونس، والتي تُقدَّم بموجبها مساعداتٌ واستثماراتٌ مقابل الحدّ من الهجرة. إلا أن هذه الاتفاقيات وُجِّهت إليها انتقاداتٌ أيضًا بسبب إعادتها المهاجرين قبل أن تطأ أقدامهم أراضي الاتحاد الأوروبي.
هل تستطيع مصر مساعدة الاتحاد الأوروبي في قضية غزة؟
تُعدّ مصر نقطة الدخول الوحيدة غير الإسرائيلية إلى غزة معبر رفح، وقد تكون أساسية لتسهيل إيصال مواد الإغاثة وإعادة الإعمار التي يسعى الاتحاد الأوروبي جاهدًا لإرسالها. إلا أن الجيش الإسرائيلي يُسيطر على المعبر، ويواصل منع الوصول إليه رغم إعلان إسرائيل إعادة فتحه قبل أكثر من أسبوع .
وفي بيان مشترك صدر عقب المحادثات، رحب الاتحاد الأوروبي بدور الوساطة الذي تلعبه مصر بين إسرائيل وحماس، ودعا إلى "وصول إنساني آمن وسريع وبدون عوائق" إلى القطاع.
وجاء في البيان أن "ضمان تقديم المساعدات الإنسانية الكاملة لقطاع غزة، مع دور محوري للأمم المتحدة ووكالاتها، بما فيها الأونروا، يُمثل أولوية أساسية للاتحاد الأوروبي ومصر".
وقالت رئيسة المفوضية الأوروبية، أورسولا فون دير لاين، إن الاتحاد الأوروبي يُدرك أنه يستطيع "الاعتماد على دعم مصر الفعال" لمجموعة المانحين الفلسطينية المُخطط لها للمساعدة في تمويل الإصلاحات ودعم السلطة الفلسطينية.
وقال بول تايلور، وهو زميل زائر كبير في مركز السياسة الأوروبية، إن الطريق إلى طموح الاتحاد الأوروبي في البقاء ذا أهمية سياسية في الصراع الإسرائيلي الفلسطيني والحفاظ على دور الأمم المتحدة سليما يمر الآن عبر دول عربية مثل مصر.
أضاف تايلور: "يتطلع الاتحاد الأوروبي إلى المساعدة على الصعيد السياسي أيضًا"، وليس فقط بالمساعدات. "ويعتمد ذلك إلى حد كبير على التعاون مع القادة العرب، مثل السيسي.
وتابع: "إذا أراد الأوروبيون أن يكون لهم تأثير، فعليهم التعاون مع الدول العربية". ويمكن للأوروبيين، بالتعاون مع الدول العربية، أن يحرصوا على مصالح الفلسطينيين في المنطقة، وأن يكون لهم رأي في "من يجلس أين ومن يفعل ماذا (في غزة)، وفي تسلسل إعادة الإعمار ونزع سلاح (حماس)".
وأشار تايلور إلى أن الأوروبيين يريدون الحصول على مقعد في الهيئة الانتقالية الدولية الجديدة التي تسمى "مجلس السلام" برئاسة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، وهو ما يعتقد أن فون دير لاين طرحته على الأرجح في الاجتماع مع السيسي.
حقوق الإنسان "مهمّشة"
وفي حين حرص الاتحاد الأوروبي على تعزيز تعاونه مع مصر، فإن منظمات حقوق الإنسان لا تزال تشعر بالفزع إزاء إعادة تأهيل السيسي.
وصرحت فرانكافيلا، من "هيومن رايتس ووتش"، بأن الاتحاد الأوروبي، نظريًا، كان مشروطًا بدعمه المالي بتحقيق مصر تقدمًا "ملموسًا وموثوقًا" في مجال حقوق الإنسان والإصلاح الديمقراطي، لكن عمليًا، "لم يضع الاتحاد الأوروبي أي معايير قابلة للقياس، ولم يُبدِ اهتمامًا يُذكر بالقمع المستمر في مصر".
وتساءلت فرانكافيلا عما إذا كانت الاستثمارات الأوروبية تُفيد المصريين حقًا. وقالا إن الصفقة "تُكافئ الاستقرار الاستبدادي، بينما يدفع المصريون العاديون الثمن، عاجزين عن محاسبة حكامهم على انتهاكاتها أو على سوء استخدامها للأموال العامة".
وقالت نحو 12 منظمة لحقوق الإنسان، بما فيها هيومن رايتس ووتش، إنه على الرغم من تعزيز العلاقات مع الاتحاد الأوروبي فإن "انتهاكات الحقوق الاقتصادية والاجتماعية للمصريين استمرت دون تصحيح جدي للمسار".
وأشارت إلى أن حوالي 6 ألاف شخص أُحيلوا للمحاكمة بتهم تتعلق بالإرهاب في مصر هذا العام، وكثيرون منهم لممارستهم حقوقهم الإنسانية فحسب. وتابعت: "لا تزال قوات الأمن تمارس الاختفاء القسري والتعذيب والإعدام خارج نطاق القضاء دون هوادة، في ظل إفلات شبه كامل من العقاب".
لكن القمة لم تشهد أي انتقاد للحكومة المصرية، حيث أشار البيان الختامي بشكل موجز إلى "الالتزام المشترك" بـ"القيم العالمية للديمقراطية وسيادة القانون واحترام حقوق الإنسان والحريات الأساسية".
وصرح متحدث باسم المفوضية الأوروبية للإذعة الألمانية بأن حقوق الإنسان نوقشت خلال القمة، دون تقديم مزيد من التفاصيل. إلا أن المراقبين انتقدوا الاتحاد الأوروبي لدعمه مجددًا الاستقرار على حساب الديمقراطية في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا.
وقال كوش من صندوق مارشال الألماني: "يعتبر الاتحاد الأوروبي مصر واحة استقرار في منطقة مضطربة". وأضاف: "على الرغم من كونها دولة ديكتاتورية، إلا أن مصر تظل شريكًا أمنيًا فعالًا. لقد تم تهميش حقوق الإنسان، وهو أمر محزن".
https://www.dw.com/en/eu-embraces-authoritarian-egypt-for-help-on-gaza-migration/a-74464774

