تمثل تصريحات وزير مالية الاحتلال الإسرائيلي بتسلئيل سموتريتش التي قال فيها للسعودية: "إذا طلبت التطبيع مقابل إقامة دولة فلسطينية – فسنقول استمروا في ركوب الجِمال في الصحراء"، تعبيراً قوياً عن الموقف الإسرائيلي المتشدد الرافض لأي ربط بين التطبيع العربي مع إسرائيل وقيام دولة فلسطينية مستقلة، وهو موقف يحمل دلالات عميقة على مستقبل القضية الفلسطينية واتفاقات إبراهام.

 

وجاءت تصريحات سموتريتش خلال مؤتمر بعنوان "الهلاخاه في العصر التكنولوجي" الذي نظمه معهد زوميت وصحيفة "مكور ريشون"، حيث قال: "السيادة هي نقطة الاختبار (في إشارة إل ضم الضفة الغربية)، إذا قالت لنا السعودية: تطبيع مقابل دولة فلسطينية، أيها الأصدقاء، لا شكرا. استمروا في ركوب الجمال في الصحراء السعودية".

 

وتابع قائلا: "نحن سنواصل التقدم باقتصادنا ومجتمعنا ودولتنا وكل الأشياء العظيمة والرائعة التي نعرف كيف نقوم بها".

 

 

دلالات التصريحات ونبرة التحدي

 

تصريحات سموتريتش جاءت بنبرة استفزازية وعلنية واضحة، وهي تعبر عن رفض قاطع لفكرة دولة فلسطينية على حدود عام 1967 أو حصول الفلسطينيين على سيادة سياسية تضم الضفة الغربية وقطاع غزة. هذه الألفاظ تتزامن مع خطوات إسرائيلية قانونية وعملية لتثبيت السيادة على الأراضي المحتلة، مثل التصويت في الكنيست على مشروع ضم الضفة الغربية، ما يزيد من التوتر السياسي في المنطقة ويضع شروطاً صعبة أمام أي تسوية سلام أو مفاوضات جدية مع الفلسطينيين. النبرة العنصرية في كلامه ضد السعودية أيضاً تعكس استعلاء إسرائيلياً وموقفاً يرفض حتى تقديم تنازلات مقابل تطبيع العلاقات مع دول الخليج.

 

مستقبل الدولة الفلسطينية المجهول

 

في ظل هذه المواقف المتصلبة وغير المرنة، يبدو مستقبل قيام دولة فلسطينية مستقلة واقعياً معدوماً أو على الأقل بعيد الأمد. التحركات الإسرائيلية تهدف إلى فرض أمر واقع يستحيل معه تأسيس دولة فلسطينية ذات سيادة، حيث تستمر سياسة التوسع الاستيطاني والتجريف، وتبقى السلطة الفلسطينية مقيدة أو منهارة في ظل الخلافات الداخلية والضغط الدولي والإقليمي المتذبذب. الاعترافات الدولية والتصريحات المتكررة بضرورة حل الدولتين لا تزال بلا أفق عملي واضح أمام تعنت الاحتلال ورفضه الاستسلام لأي شرط سياسي يمنحه لفلسطين. الحروب المتكررة في غزة وتدمير البنية التحتية والانقسام الفلسطيني تزيد من تعقيد المشهد، وغياب الوحدة والتوافق الفلسطيني يعمق من أزمة المستقبل.

 

مستقبل اتفاقات إبراهام وسط تراجع التوقعات

 

اتفاقات إبراهام، التي وقعت في سبتمبر 2020 بين إسرائيل وعدد من دول عربية (الإمارات، البحرين، المغرب، السودان)، كانت تعبيراً عن تحول استراتيجي في السياسة العربية تجاه إسرائيل، مع وعود بتحسين الاستقرار والتنمية. لكن التصريحات المتشددة مثل تصريحات سموتريتش تدل على أن منطق التوسع الإسرائيلي يتناقض مع إقامة سلام عادل. هناك مخاوف كبيرة لدى المراقبين الإسرائيليين والعرب من أن هذه الاتفاقات قد تتعرض لمزيد من التراجع أو الاستعادة في ظل تصاعد العنف، وغياب تقدم في حل القضية الفلسطينية، وانقسام الرأي الدولي والإقليمي حول الموقف من إسرائيل والصراع. تصريحات ترامب الأخيرة التي تتحدث عن توسيع الاتفاقيات لكن بشروط متشابكة، في ظل أزمات المنطقة، تزيد من عدم اليقين حول مصير هذه الاتفاقات وعلى تطبيقها العملي على الأرض.

 

ردود الفعل والتوتر الإقليمي والدولي

 

تصريحات سموتريتش أثارت ردود فعل عربية وغربية وانتقادات حادة، حيث اعتبرته العديد من الأصوات مهيناً للسعودية، ومصدر قلق إقليمي لأن مثل هذه التصريحات تعمق الازمات السياسية وتشجع على استبعاد حل سلمي. الولايات المتحدة، التي تحاول لعب دور الوسيط، تواجه ضغوطاً كبيرة كي تتعامل بحذر مع التصعيد الإسرائيلي وضمان عدم تدهور علاقاتها مع دول الخليج الحليفة. أما الفلسطينيون فهم على يقين بأن موقف الاحتلال الرافض يعيق أي تقدم سياسي، مما يفتح الباب أمام سيناريوهات ظلامية تشمل المزيد من المواجهات والصراعات المسلحة أو استمرار الاحتلال والاستيطان دون أفق سياسي.

 

الخلاصة أن تصريحات وزير المالية الإسرائيلي بتسلئيل سموتريتش ترتكز على رفض مبدأ ربط التطبيع العربي بإقامة دولة فلسطينية، في موقف يعكس التحدي الإسرائيلي لحقوق الفلسطينيين ويكشف عمق أزمة السلام في المنطقة. مستقبل الدولة الفلسطينية غامض ومهدد بخروج الوضع عن أطر الحلول السياسية، فيما تواجه اتفاقات إبراهام تحديات متزايدة بفعل الاشتباكات المستمرة والمواقف الإسرائيلية الصلبة، مما يعكس واقعاً معقداً يحكمه الاستنزاف السياسي والجيوسياسي ويثير مخاوف من استمرار الصراع وعدم الاستقرار في الشرق الأوسط.