يواصل عشرات المعتقلين في ما يُعرف بـ”سجن الموت” بالوادي الجديد إضرابهم المفتوح عن الطعام للأسبوع الثاني على التوالي، احتجاجًا على ما وصفوه بالنقل القسري من سجن المنيا إلى هذا السجن الصحراوي النائي في الرابع من أكتوبر الجاري. ويأتي هذا التحرك ضمن سياق من الضغوط والانتهاكات الممنهجة التي يتعرض لها المعتقلون السياسيون وسجناء الرأي في مصر، في ظل أوضاع احتجاز توصف بأنها بالغة القسوة وغير إنسانية.
بدأت شرارة الإضراب عقب قرار مصلحة السجون نقل ما يزيد على خمسين معتقلًا من سجن المنيا شديد الحراسة إلى سجن الوادي الجديد دون إبداء أسباب واضحة، في خطوة وُصفت بأنها عقابية وانتقامية. وأفاد مركز الشهاب لحقوق الإنسان، الذي يتابع القضية، أن عملية النقل تمت وسط إجراءات أمنية مشددة، حيث حُرم السجناء من متعلقاتهم الشخصية، وتم احتجاز بعضهم في زنازين انفرادية فور وصولهم.
المعتقلون المضربون أكدوا في رسائل تسربت إلى ذويهم ومحاميهم، أنهم يتمسكون بمواصلة إضرابهم حتى تتحقق مطالبهم التي وصفوها بـ”الإنسانية البحتة”، أبرزها إعادتهم إلى سجون قريبة من أماكن سكن أسرهم، ووقف الانتهاكات اليومية الممارسة بحقهم، وتحسين ظروف الاحتجاز التي تنذر بالخطر على حياتهم. وأشاروا إلى أن إدارتهم الجديدة تتعامل معهم بقسوة، وتمنع الزيارة عن البعض منذ أسابيع، كما تحرمهم من العلاج والغذاء الكافي، في انتهاك واضح لقانون تنظيم السجون المصري وللمواثيق الدولية.
وتبرز أهمية مطلب التقريب الجغرافي بوصفه جزءًا من الحقوق التي نصت عليها اللائحة الداخلية للسجون، حيث تنص على أن “يُراعى في تسكين النزلاء بعد السجن أن يكون السجن قريبًا قدر الإمكان من دائرة محل إقامتهم”. ولكن، بحسب منظمات حقوقية، غالبًا ما تستخدم السلطات البُعد الجغرافي كوسيلة للضغط والعقاب الجماعي، إذ تقع منطقة الوادي الجديد على مسافة تزيد عن 700 كيلومتر من القاهرة، مما يجعل الزيارات مرهقة ومكلفة للغاية للأسر.
أهالي المعتقلين عبّروا عن معاناتهم الكبيرة في الوصول إلى السجن الذي يقع في عمق الصحراء الغربية. فالمسافة الطويلة، وسوء الطرق، وغياب وسائل النقل المباشر، كلها عوامل تجعل الرحلة محفوفة بالمخاطر، وقد سجلت بالفعل حالات وفاة خلال رحلات الزيارة، كان آخرها وفاة مدير أمن الوادي الجديد نفسه في حادث على الطريق ذاته. كما أشار ذوو المعتقلين إلى أن تكلفة الزيارة الواحدة أصبحت تتجاوز 10 آلاف جنيه بالنسبة للعائلات القادمة من المحافظات الشمالية، في ظل الأزمة الاقتصادية وارتفاع أسعار الوقود والمواصلات.
انضمام بعض المعتقلين من محافظات القاهرة والجيزة والوجه البحري إلى الإضراب يعبّر عن حالة تضامن نادرة داخل السجون المصرية. هؤلاء السجناء أعلنوا أن حراكهم لا يحمل أي طابع سياسي، بل هو احتجاج إنساني ضد المعاملة المهينة والحرمان المتعمد من الحقوق الأساسية، مطالبين بإشراف قضائي على السجون، والسماح للجنة من المجلس القومي لحقوق الإنسان بزيارة الوادي الجديد لمعاينة الأوضاع بأنفسهم.
من جانبها، أكدت منظمات حقوقية عدة، على رأسها مركز الشهاب ومؤسسة عدالة ومجموعة “نحن نسجل”، أن الوضع في سجن الوادي الجديد يمثل أزمة إنسانية حقيقية تستوجب تدخلاً عاجلاً. واعتبرت استمرار الإضراب مؤشراً على انسداد كل قنوات الحوار داخل منظومة السجون المصرية، ما قد ينذر بتدهور صحي خطير بين المضربين، خاصة مع تزايد حالات الإغماء وضعف البنية الجسدية لدى العديد منهم.
وتطالب تلك المنظمات المجتمع الدولي والجهات الأممية بممارسة ضغط حقيقي على السلطات المصرية للالتزام بالحد الأدنى من المعايير الدولية لمعاملة السجناء، لا سيما العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية، واتفاقية مناهضة التعذيب التي صدّقت عليها مصر. كما شددت على ضرورة الإفراج عن المعتقلين الذين تجاوزت فترات حبسهم القانونية، أو إعادة النظر في أوضاعهم الإنسانية، لوقف نزيف المعاناة المستمر منذ سنوات.
إن الإضراب القائم في سجن الوادي الجديد ليس مجرد احتجاج محدود داخل الأسوار، بل هو انعكاس مأساوي لصورة أوسع من تدهور أوضاع حقوق الإنسان بمصر. وفي ظل غياب الشفافية وتقييد الإعلام المستقل، تبقى شهادات الأهالي والمنظمات الحقوقية المصدر الأساسي لتوثيق حجم الانتهاكات. وبينما يستمر السجناء في مقاومة الجوع كآخر أشكال الاحتجاج السلمي المتاحة لهم، تبقى استجابة السلطات اختبارًا حقيقيًا لمدى احترامها للقانون والدستور والكرامة الإنسانية.