تعيش مدينة الفاشر في شمال دارفور واحدة من أسوأ الكوارث الإنسانية في تاريخ السودان الحديث، بعدما شنت طائرات مسيّرة تابعة لقوات الدعم السريع قصفًا عنيفًا استهدف مركز إيواء دار الأرقم وجامعة أم درمان الإسلامية، ما أسفر عن استشهاد أكثر من 60 مدنيًا وإصابة عشرات آخرين، معظمهم من النساء والأطفال.
الهجوم الدموي الذي وقع يأتي في وقتٍ تعيش فيه المدينة حصارًا خانقًا منذ أكثر من عام، وسط انهيار شبه كامل للخدمات الإنسانية والطبية، وتفاقم معاناة السكان الذين يعيشون بين فكيّ الجوع والموت.
تفاصيل المذبحة: قصف جوي على النازحين أثناء تناول الإفطار
وفقًا لشهود عيان ومصادر طبية من مستشفى الفاشر التعليمي، حلّقت طائرة مسيّرة تابعة لقوات الدعم السريع على علو منخفض قبل أن تطلق ثلاث قذائف متتالية على مركز إيواء مكتظ بالنازحين.
كان معظم الضحايا من الأسر التي فرت من مناطق القتال إلى المدينة بحثًا عن الأمان، لكنهم وجدوا أنفسهم في مواجهة الموت من جديد.
أحد الناجين يروي: "كنا نتناول الإفطار حين سمعنا دوي انفجار هائل. النيران اشتعلت في الخيام، والأطفال كانوا يصرخون.. رأيت بأم عيني أمهات يحملن أبناءهن المحترقين."
تؤكد شبكة أطباء السودان أن القصف طال أحياء سكنية مأهولة، ما أدى إلى تدمير منازل ومرافق عامة، بينهم قسم النساء والتوليد في مستشفى الفاشر، الذي أصيب بأضرار جسيمة أخرجت أجزاء واسعة منه عن الخدمة.
كارثة إنسانية تتسع: الفاشر مدينة محاصرة بالموت
مدينة الفاشر، عاصمة شمال دارفور، تعيش اليوم أسوأ أزمة إنسانية منذ اندلاع الحرب في أبريل 2023.
قوات الدعم السريع تفرض حصارًا مطبقًا يمنع دخول الغذاء والدواء، بينما تتواصل الغارات الجوية والمدفعية التي تستهدف المدنيين بشكل ممنهج.
تقول تقارير الأمم المتحدة إن أكثر من نصف سكان دارفور، أي نحو 4 ملايين إنسان، بين نازحين أو مهددين بالمجاعة.
المياه مقطوعة عن معظم الأحياء، والمستشفيات تعمل بأدوات بدائية وسط نقص حاد في الأدوية.
وتشير مصادر محلية إلى أن عشرات الجثث لا تزال مرمية على الطريق الترابي بين الفاشر وبلدة طويلة، بعد أن حاول سكان محاصرون الفرار سيرًا على الأقدام، لكنهم سقطوا ضحايا للجوع أو القصف المتواصل.
تمويل إماراتي ودور خفي: حرب بالوكالة تشتعل في دارفور
مصادر سودانية مطلعة كشفت أن العملية لم تكن قرارًا ميدانيًا عشوائيًا، بل جاءت بأوامر مباشرة من ضباط إماراتيين يشرفون على غرفة عمليات الدعم السريع في غرب دارفور.
المصادر ذاتها تؤكد أن أبوظبي تواصل تزويد قوات محمد حمدان دقلو (حميدتي) بطائرات مسيّرة متطورة من طراز وينغ لونغ الصينية الصنع، وذخائر دقيقة التوجيه تُستخدم في قصف المدن ومراكز الإيواء.
وتشير تقارير استخباراتية غربية إلى أن الإمارات أصبحت الممول والمشغّل الرئيسي لقوات الدعم السريع، عبر شبكات تسليح تمرّ من أراضيها إلى السودان عبر تشاد وليبيا، في انتهاك صارخ لقرارات الأمم المتحدة.
ورغم النفي الإماراتي المتكرر، فإن صور أقمار صناعية وتقارير ميدانية تؤكد وجود جسر جوي إماراتي مستمر منذ العام الماضي، نقل آلاف الأطنان من الأسلحة إلى ميليشيات حميدتي التي تستخدمها في احتلال المدن وارتكاب المجازر.
أطماع اقتصادية وراء الدم: الذهب والموانئ في قلب الصراع
يؤكد مراقبون أن أبوظبي أشعلت الحرب السودانية من أجل مصالحها الاقتصادية، لا سيما السيطرة على مناجم الذهب في دارفور وموانئ البحر الأحمر.
فقد دعمت لسنوات قوات حميدتي ماليًا وسياسيًا لبناء قوة موازية للجيش السوداني، تمكّنها من بسط نفوذها على ثروات البلاد.
وتشير تقارير اقتصادية إلى أن شركات إماراتية مرتبطة بعائلة بن زايد تشرف على تهريب كميات ضخمة من ذهب السودان عبر مطارات خاصة في تشاد وأفريقيا الوسطى، بمساعدة قادة من الدعم السريع.
وهكذا تحولت الحرب من صراع داخلي إلى حرب وكالة تُدار من خلف الكواليس، بينما يدفع الشعب السوداني الثمن دمًا وخرابًا.
صمت دولي وتواطؤ عربي: العالم يشاهد المجزرة
ورغم هول الجرائم، تلتزم الأمم المتحدة ومعظم القوى الغربية صمتًا دبلوماسيًا يثير الغضب.
اكتفت المنظمة الأممية ببيانات “القلق والدعوة إلى ضبط النفس”، بينما تتجنب الولايات المتحدة وبريطانيا تسمية الإمارات كطرف متورط، خوفًا على مصالحهما الاقتصادية معها.
أما الأنظمة العربية، فتمارس صمتًا مريبًا إزاء ما يجري في دارفور، في وقتٍ تواصل فيه أبوظبي استخدام نفوذها الإعلامي والسياسي لطمس الأدلة وإعادة صياغة الرواية لصالحها.
ويرى محللون أن هذا الصمت يشجع الإمارات على المضي في مشروعها التخريبي الذي يهدف إلى تقسيم السودان وإضعاف جيشه الوطني، ضمن استراتيجية “الفوضى الناعمة” التي اتبعتها سابقًا في اليمن وليبيا وسوريا.