ممدوح الولي
خبير اقتصادي ونقيب الصحفيين سابقًا
تباهى مسؤولو المصارف المصرية بطفرة النمو التي حققتها تلك المصارف بعام 2024 بالمقارنة بعام 2023، حيث زادت الأصول بنسبة 46.5 في المئة، والودائع بزيادة 33 في المئة، والقروض التي منحتها بنمو 53 في المئة، واستثماراتها بنمو 28.5 في المئة، وحقوق الملكية بها بنسبة نمو 55 في المئة.
لكن تلك الطفرة مرتبطة بعاملين رئيسين؛ أولهما وأكثرهما تأثيرا، تغير سعر الصرف خلال عام 2024 بنسبة 65 في المئة، حيث انخفض سعر صرف الجنيه المصري أمام الدولار من 30.89 جنيه للدولار، بنهاية عام 2023 إلى 50.84 جنيه بنهاية عام 024، والعامل الثاني هو زيادة سعر الفائدة من قبل البنك المركزي بمقدار 8 في المئة خلال عام 2024، ليرتفع سعر فائدة الإيداع لدى البنك المركزي من 19.25 في المئة إلى 27.25 في المئة.
ونظرا لتضمن أصول البنوك في نهاية 2023 أرصدة قروض بالعملات الأجنبية بلغت نسبتها 30 في المئة من مجمل القروض، فإن قيمة تلك القروض قد زادت في يوم السادس من مارس 2024 مع تغير سعر الصرف بنسبة 60 في المئة بالمقارنة باليوم السابق، أما القروض بالعملة المحلية فقد زادت أيضا مع زيادة فائدة الإقراض من قبل البنك المركزي بمقدار 8 في المئة في فبراير ومارس من العام.
ونفس الأثر حدث لاستثمارات البنوك في الأوراق المالية والديون الحكومية، حيث كانت نسبة 20 في المئة منها بعملات أجنبية بنهاية عام 2023، لتستفيد تلك الاستثمارات من تغير سعر الصرف، أما باقي الاستثمارات بالجنيه المصري فقد استفادت من زيادة سعر الفائدة على أذون وسندات الحكومة بالجنيه، كما تكون أرصدة البنوك المحلية في البنوك الخارجية عادة بعملات أجنبية، وبالتالي تقفز قيمتها بالجنيه مع تغير سعر الصرف عند حساب أرصدتها بالجنيه المصري.
نمو المؤشرات بالجنيه وتراجعها بالدولار
وتكرر نفس الأمر على جانب التزامات البنوك والذي تمثل الودائع الجانب الأكبر به، حيث مثلت الودائع بالعملات الأجنبية نسبة 19 في المئة من إجمالي الودائع بنهاية عام 2023، لتستفيد من تغير سعر الصرف وترتفع قيمتها عند حسابها بالجنيه المصري، كما استفادت الودائع بالجنيه المصري من زيادة سعر الفائدة لترتفع أرصدتها، ومن هنا كانت الطفرة في نمو الودائع خلال عام 2024.
وكانت المفاجأة أنه بحساب معدلات النمو لمؤشرات المصارف المصرية، ما بين عامي 2023 و2024 بعد تحييد أثر سعر الصرف، فقد تحولت معدلات نمو غالبية المؤشرات إلى الاتجاه المعاكس أي التراجع، خاصة التي شهدت نموا بمعدلات تقل عن معدل النمو الذي شهده سعر الصرف، حيث انخفضت قيمة أصول البنوك المصرية عند حسابها بالدولار في عامي المقارنة، من 460 مليار دولار عام 2023 إلى 409 مليارات دولار في 2024، بنسبة تراجع 11 في المئة.
وتكرر التراجع في الودائع بنسبة 19 في المئة، مع انخفاض أرصدتها من 328 مليار دولار عام 2023 إلى 265 مليار دولار عام 2024، كذلك انخفضت أرصدة القروض من 177 مليار دولار إلى 165 مليار دولار، بنسبة تراجع 7 في المئة، وتراجعت أرصدة الاستثمارات التي قامت بها البنوك من 168 مليار دولار إلى 131 مليار دولار، بتراجع 22 في المئة.
كما انخفضت حقوق الملكية من 29 مليار دولار إلى 27 مليار دولار بنسبة تراجع 6 في المئة، وشمل التراجع إيرادات البنوك بعد حسابها بالدولار في عامي المقارنة بنسبة 1 في المئة، وكذلك بتراجع 4 في المئة بمصروفات البنوك، في حين كانا قد شهدا نموا عند حسابهما بالجنيه بـ63 في المئة للإيرادات و44 في المئة للمصروفات.
71 في المئة من الأصول لخمسة بنوك
وهكذا يمكن توقع عدم تكرار طفرة النمو التي شهدتها البنوك خلال العام الماضي مع حسابها بالجنيه في العام الحالي، والذي شهد حتى الآن استقرارا لسعر الصرف، مع صعود سعر صرف الجنيه على حساب الدولار نتيجة تدخل البنك المركزي في تحديد أسعار الصرف، وكذلك التوجه لخفض سعر الفائدة في العام الحالي.
الظاهرة الثانية التي شهدتها البنوك المصرية في العام الماضي وما قبله، هي ظاهرة تركز النشاط في عدد محدود من البنوك، فرغم وجود 36 مصرفا تعمل في السوق المصرية، فقد استحوذ البنك الأهلي المصري وحده على نسبة 39 في المئة من أصول البنوك، كما حصل بنك مصر على نسبة 17 في المئة من الأصول، ليحصل المصرفان الحكوميان على نسبة 56.5 في المئة من مجمل أصول البنوك. فإذا أضيف إليهما من البنوك الخاصة ثلاثة بنوك هي: التجاري الدولي والعربي الأفريقي الدولي وقطر الوطني، يصل نصيب البنوك الخمسة إلى 71 في المئة من مجمل أصول البنوك.
وتكرر التركز في أرصدة الودائع باستحواذ البنك الأهلي المصري، على النصيب الأكبر من الودائع بنصيب 37 في المئة من الإجمالي، رغم أنه الثالث في عدد الفروع بعد بنكي الزراعي ومصر، وكان نصيب بنك مصر من الودائع 18.5 في المئة، وبإضافة بنوك: التجاري الدولي وقطر الوطني والعربي الأفريقي يصل نصيب البنوك الخمسة 63.5 في المئة من مجمل الودائع.
وكان نصيب البنك الأهلي وحده من أرصدة القروض 46 في المئة، وبنك مصر 14.5 في المئة، وبإضافة بنوك: التجاري الدولي وقطر الوطني والقاهرة يصل نصيب البنوك الخمسة إلى 77 في المئة من مجمل القروض، حيث تفضل العديد من البنوك الاستثمار في الديون الحكومية الأقل مخاطرة عن توظيف أصولها في إقراض الشركات، نظرا لزيادة المخاطر وحالة الركود التي تخيم على الأسواق. وفي الاستثمارات استحوذ البنك الأهلي وحده على نسبة 41 في المئة من استثمارات البنوك، وبنك مصر 15 في المئة، ليحصل البنكان على 56 في المئة من مجمل استثمارات البنوك.
البنك الأهلي رقم 26 بعائد الأصول
الظاهرة الثالثة في البنوك المصرية أنه رغم استحواذ البنكين الحكوميين الأهلي ومصر على النصيب الأكبر من المؤشرات المصرفية، إلا أن أداءهما من حيث الربحية كان متأخرا بالمقارنة ببنوك أقل شهرة وأصغر حجما، فإذا كان البنك الأهلي قد احتل مكان الصدارة من حيث قيمة صافي الربح بنحو 133 مليار جنيه، وبنك مصر في المركز الثاني بقيمة صافي ربح 127.5 مليار جنيه، إلا أنه من حيث معدلات الربحية، وبمعدل العائد على الأصول، فقد جاء البنك الأهلي في المركز 26 من بين 29 بنكا أعلنت مراكزها المالية، بعائد 1.6 في المئة.
وجاء بنك مصر في المركز الحادي والعشرين بعائد 2.25 في المئة، بينما تصدر بنك إتش إس بي سي مصر القائمة بعائد على الأصول 7.4 في المئة، وبنك التعمير 6.6 في المئة، وبنك كريدى أجريكول 6.3 في المئة، يليه بنكا فيصل والإسكندرية، وتكرر ذلك التأخر بقائمة البنوك حسب معدل العائد على حقوق الملكية، حيث جاء البنك الأهلي في المركز الحادي والعشرين بعائد 25 في المئة، وبنك مصر في المركز العشرين بعائد 26 في المئة، بينما تصدر القائمة بنك التعمير بعائد 44.5 في المئة، وأبو ظبى الأول 43.6 في المئة وبنك إتش إس بى سى 42.6 في المئة على حقوق الملكية.
الظاهرة الرابعة تتعلق بتوظيف البنوك غالب أموالها في المجالات قليلة المخاطر، وأبرزها أدوات الدين الحكومي من أذون وسندات خزانة عالية الفوائد، والتي يتم إصدارها لسد عجز الموازنة، حيث استحوذت استثمارات البنوك في أدوات الدين الحكومي على نسبة 30.5 في المئة من أصولها، كما نالت القروض التي اتجهت منها للحكومة على نسبة 21 في المئة من الأصول، أي أن نصيب الحكومة من القروض والاستثمارات المالية قد تخطت نسبة 51 في المئة من أصول البنوك، ويأتي ذلك على حساب التوسع في إقراض الشركات الخاصة وعلى حساب توسع النبوك في تأسيس الشركات أو المشاركة في زيادة رؤوس أموالها، مما يؤثر سلبا على المعروض السلعي وعلى توفير فرص العمل.
ظاهرة أخرى تتعلق بالإفصاح والشفافية، فرغم قيام بنك مثل قطر الوطني بنشر قوائمه المالية بعد عشرة أيام من انتهاء الفترة الزمنية التي تتعلق بها القوائم، فإن بنكي الأهلي ومصر الحكوميين، واللذين يعدا أكبر البنوك من حيث الأصول والودائع والقروض والاستثمارات وحقوق الملكية، يتأخران في نشر قوائمهما المالية لمدة تسعة أشهر، حيث نشرت قوائمهما الماضية الأسبوع الماضي، وعلى الجانب الآخر توجد بنوك أخرى لا تنشر قوائمها المالية منذ سنوات عديدة، أبرزها البنك العقاري المصري والبنك الزراعي وهما بنكان حكوميان، والبنك العربي وميد بنك والمشرق وستاندر تشارترد. والمعروف أن البورصة المصرية تمنح الشركات المقيدة بها مهلة شهر ونصف لنشر القوائم المالية عن الفترات الزمنية ربع السنوية، إلا أنه غير مدرج بها سوى 13 مصرفا من الست والثلاثين مصرفا العاملة في مصر.