عاد اسم الباحث والصحفي الاستقصائي إسماعيل الإسكندراني إلى الواجهة بعد أن أصدرت هيئة الدفاع عنه بيانًا كشفت فيه تفاصيل ما جرى خلال تحقيقات نيابة أمن الدولة العليا، والتي انتهت بقرار بحبسه 15 يومًا احتياطيًا. الاتهامات الموجهة له لم تخرج عن دائرة "نشر أخبار كاذبة" و"الانضمام إلى جماعة إرهابية"، وهي التهم التي طالما استُخدمت كسيف مسلط على رقاب الصحفيين والباحثين في مصر. هذه التطورات تعكس استمرار سياسات القمع الفكري وتكميم الأفواه رغم الوعود الرسمية بالإصلاح والانفراجة السياسية.
 

تفاصيل القبض والتحقيقات
أوضحت هيئة الدفاع أن عملية القبض تمت فجر الأربعاء 24 سبتمبر 2025، بعد صدور أمر ضبط وإحضار من نيابة أمن الدولة العليا بناءً على تحريات الأمن الوطني. أوقف الإسكندراني عند كمين في مرسى مطروح أثناء عودته من سيوة، ثم رُحّل إلى مقر الأمن الوطني بالعباسية، قبل عرضه على نيابة أمن الدولة بالقاهرة. هناك واجهته النيابة باتهامات بالانضمام إلى جماعة إرهابية ونشر شائعات عبر مواقع التواصل، إضافة إلى استخدام الإنترنت في "الترويج لأفكار إرهابية".
 

مواجهة 18 تدوينة
النيابة عرضت على الإسكندراني 18 تدوينة من حسابه الشخصي على فيسبوك، واعتبرتها دليلًا على تورطه في نشر الشائعات. الباحث أقر بملكيته للحساب وكتابته للتدوينات، لكنه شدد على أنها تعبر عن آرائه وأفكاره ولا تتضمن أي أخبار كاذبة. كما أكد أنه لا ينتمي إلى أي حزب أو جماعة سياسية. ورغم ذلك، صدر القرار بحبسه 15 يومًا على ذمة القضية رقم 6469 لسنة 2025 حصر أمن دولة عليا.
 

الوضع الصحي والحقوقي
هيئة الدفاع أشارت إلى خطورة وضعه الصحي، إذ يعاني من ضيق تنفس ويحتاج إلى جهاز خاص (سيباب) للنوم، إلا أن "الماسك" الخاص بالجهاز ظل محتجزًا لدى الأمن الوطني، ما يعرض حياته للخطر المباشر. هذا البعد الصحي أضاف بعدًا إنسانيًا إلى القضية، وأثار قلق المنظمات الحقوقية التي أكدت أن استمرار حبسه يمثل تهديدًا وجوديًا لسلامته.
 

غضب حقوقي ورسائل سلبية
المنظمات الحقوقية سارعت للتنديد بالقرار، معتبرة أن ما جرى يعيد إنتاج سياسات القمع رغم صدور قرارات عفو رئاسي في الأسابيع الماضية.
وأكدت أن توقيف الإسكندراني بعد يومين فقط من تلك القرارات يرسل رسالة سلبية، مفادها أن المجال العام لا يزال مغلقًا، وأن أي صوت مستقل معرض للاستهداف.
وأشارت إلى أن الباحث سبق أن قضى سبع سنوات في السجون على خلفية عمله البحثي، وأن استمرار ملاحقته يقضي على أي أمل في إصلاح سياسي حقيقي.
 

تجريم الرأي ومصادرة الحريات
البيانات الصادرة عن المنظمات الموقعة – ومنها المفوضية المصرية للحقوق والحريات والجبهة المصرية لحقوق الإنسان والمنظمة العالمية لمناهضة التعذيب (OMCT) – شددت على أن استدعاء منشورات شخصية كأدلة إدانة يكرس لتجريم الرأي وتكميم الفضاء الإلكتروني.
كما اعتبرت أن استخدام الحبس الاحتياطي كعقوبة موازية يقضي على الثقة في أي خطوات إصلاحية، ويجعل مناخ الخوف هو السائد.
 

خلفية عن مسيرته ومعاناته السابقة
الإسكندراني سبق أن اعتقل في نوفمبر 2015، وظل عامين في الحبس الاحتياطي قبل أن يحاكم عسكريًا ويحكم عليه في مايو 2018 بالسجن 10 سنوات، خُففت لاحقًا إلى سبع سنوات قضى مدتها حتى الإفراج عنه في ديسمبر 2022.
ورغم هذه التجربة القاسية، عاد ليواجه الملاحقة مجددًا. الباحث الذي نشرت أعماله في صحف مثل السفير اللبنانية والمدن، إضافة إلى المجلات الأكاديمية الدولية، أصبح نموذجًا لما يواجهه الصحفيون الاستقصائيون في مصر من تهديد مستمر.

وفي النهاية فقضية إسماعيل الإسكندراني ليست مجرد ملف قضائي يخص فردًا بعينه، بل تعكس استمرار سياسة تكميم الأفواه وإغلاق المجال العام. حبس باحث لمجرد آرائه المكتوبة على وسائل التواصل يطرح تساؤلات حول حدود حرية التعبير في مصر ومستقبل أي إصلاح سياسي محتمل.

وفي ظل تفاقم الأوضاع الحقوقية وتجاهل الاحتياجات الصحية للمعتقلين، يبدو أن القضية مرشحة لأن تتحول إلى رمز جديد للصراع بين السلطة والحرية، ما يعزز مناخ الغضب والاحتقان بدلًا من بناء مناخ إصلاحي منفتح.