في مشهد يعكس تصاعد التوتر داخل السجون المصرية، وثّقت منظمات حقوقية خلال الأسبوع الماضي حالة من الغليان والاحتقان، إثر قرارات جديدة صادرة عن مصلحة السجون تقضي بترحيل عشرات السجناء السياسيين إلى مؤسسات عقابية نائية، أبرزها سجن الوادي الجديد، الذي يُعرف في الأوساط الحقوقية وبين ذوي المعتقلين باسم "سجن الموت"، لما يُنسب إليه من ظروف احتجاز قاسية ومعاناة مضاعفة.

وقد فجّرت هذه القرارات موجة احتجاجات داخل عدد من السجون، وصلت إلى مستويات غير مسبوقة، شملت تهديدات بالانتحار الجماعي، وإعلان الإضراب المفتوح عن الطعام، رفضًا لما وصفه المعتقلون بـ"الترحيلات القسرية" التي لا تستهدف سوى تعميق العزلة، وزيادة المعاناة النفسية والإنسانية لهم ولأسرهم.

وبحسب مصادر حقوقية، فقد صدرت تعليمات رسمية بترحيل 53 معتقلًا سياسيًا إلى سجن الوادي الجديد، الأمر الذي دفع عددًا منهم إلى إعلان الإضراب الكامل عن الطعام فور علمهم بالقرار، ملوّحين بالانتحار في حال تنفيذ الترحيل بالقوة. وتصف منظمات حقوقية هذه الخطوة بأنها تمثل "التغريبة الثالثة" للسجناء السياسيين خلال شهر سبتمبر/أيلول الجاري، في إشارة إلى سلسلة تنقلات قسرية متكررة داخل منظومة السجون.

في تطور جديد يعكس تصاعد الأزمة داخل السجون المصرية، وثّقت الشبكة المصرية لحقوق الإنسان قيام مصلحة السجون بترحيل 19 معتقلًا سياسيًا من سجن أبو زعبل 2 إلى سجن برج العرب بالإسكندرية، في خطوة أثارت موجة رفض واسعة داخل الزنازين، عبّر عنها السجناء برسائل مسرّبة حملت نبرة يأس وغضب، جاء في إحداها:

"موتونا هنا، لأننا إذا رحّلنا سنموت هناك، ولن نرهق أهالينا ونموتهم في طريق الموت إلى سجن الوادي الجديد."

هذه الكلمات، كما وصفتها الشبكة، تختصر حجم الرعب الذي يعيشه المعتقلون إزاء قرارات النقل القسري، خاصة إلى سجن الوادي الجديد، المعروف بظروفه القاسية وبعده الجغرافي عن أماكن إقامة معظم أسر السجناء. فالمعاناة لا تقتصر على من يقبعون خلف القضبان، بل تمتد إلى ذويهم الذين يُجبرون على قطع مئات الكيلومترات في ظروف اقتصادية خانقة، فقط من أجل دقائق معدودة من الزيارة، غالبًا ما تكون تحت رقابة مشددة وظروف مهينة.

وطالب المعتقلون، عبر رسائلهم، بوقف هذه الترحيلات التي يرون فيها عقوبة إضافية لا مبرر لها، مؤكدين أنه إذا كان لا بد من النقل، فليكن إلى سجون أقرب إلى محل إقامة أسرهم، لا إلى "منافي داخلية" تزيد من عزلتهم وتضاعف من آلام ذويهم.

في بيان شديد اللهجة، حمّلت منظمة "هيومن رايتس إيجيبت" السلطات المصرية المسؤولية الكاملة عن أي حالات انتحار قد تقع داخل السجون نتيجة سياسات الترحيل القسري، ووصفت هذه الإجراءات بأنها "عبثية"، لا هدف لها سوى "تكدير السجناء وذويهم، ودفعهم إلى أقصى حدود المعاناة".

هذا التحذير الحقوقي يأتي في سياق أوسع من الانتقادات المتواصلة التي تواجهها منظومة السجون المصرية منذ سنوات، حيث تشير تقارير صادرة عن منظمات دولية مثل "العفو الدولية" و"هيومن رايتس ووتش" إلى مشكلات بنيوية مزمنة، أبرزها الاكتظاظ الشديد، وغياب الرعاية الصحية، والقيود المفروضة على الزيارات، إضافة إلى ممارسات العقاب الجماعي التي تُستخدم كأداة للردع والتأديب.

ويبرز سجن الوادي الجديد كأحد أكثر السجون إثارة للقلق، سواء من حيث موقعه الجغرافي النائي أو ظروفه المناخية القاسية. يقع السجن في مدينة الخارجة، بمحافظة الوادي الجديد، وسط الصحراء الغربية، على بعد نحو 650 كيلومترًا من القاهرة، و900 كيلومتر من الإسكندرية، ما يجعل الوصول إليه شبه مستحيل بالنسبة لأسر المعتقلين، خاصة في ظل الأوضاع الاقتصادية المتردية. وقد أطلق عليه المعتقلون وذووهم أسماء متعددة عبر الزمن، تعكس حجم المعاناة المرتبطة به: "الواحات"، "المحاريق"، "المنفى"، و"توكر"، لكن الاسم الأكثر تداولًا يبقى "سجن الموت".

في سياق يتجاوز مجرد إجراءات إدارية، يرى حقوقيون أن سياسات الترحيل القسري للسجناء السياسيين في مصر ليست سوى حلقة في سلسلة أوسع تهدف إلى تفكيك الروابط الإنسانية بين المعتقلين وذويهم، وعزلهم عن أي تواصل مجتمعي أو حقوقي. هذه السياسات، بحسب مراقبين، تعكس أزمة مزدوجة: من جهة، تدهورًا مستمرًا في أوضاع حقوق الإنسان داخل السجون، ومن جهة أخرى، ضغطًا اجتماعيًا واقتصاديًا متزايدًا على آلاف الأسر المصرية التي تعاني من تبعات الاعتقال السياسي.

ويبدو أن هذا الغليان داخل السجون مرشّح للتصاعد، في ظل إصرار السلطات على المضي قدمًا في قرارات الترحيل القسري، ورفض المعتقلين لهذه الإجراءات حتى حد التهديد بالانتحار الجماعي، في مشهد يعكس حجم اليأس والاحتقان المتراكم.

ورغم تأكيد الحكومة أن إنشاء سجون جديدة يأتي ضمن خطة "تطوير المنظومة العقابية"، ترى منظمات حقوقية أن هذا التوسع لا يزال شكليًا، وأن جوهر الأزمة يكمن في غياب الضمانات الأساسية للعدالة والكرامة الإنسانية. ففي تقرير صادر عن المجلس القومي لحقوق الإنسان عام 2022، أُقرّ بوجود تحديات كبيرة تتعلق بالاكتظاظ، رغم بناء مجمعات جديدة مثل مجمع بدر. إلا أن منظمات حقوقية تشير إلى أن هذه المجمعات تحوّلت إلى أماكن أكثر عزلة، يُواجه فيها السجناء السياسيون الحبس الانفرادي المطوّل، والحرمان من التريض، ومنع الزيارات لفترات طويلة، ما يجعلها امتدادًا للأزمة لا حلًا لها.