شهدت الساعات الأخيرة تطورات لافتة على صعيد الجهود المدنية الدولية الرامية إلى كسر الحصار المفروض على قطاع غزة منذ ما يقارب 18 عامًا. فقد كشف نبيل الشنوفي، الناطق الرسمي باسم أسطول الصمود المغاربي، أنّ ما يقارب 50 سفينة قد أبحرت بالفعل من الموانئ الإيطالية، متجهة نحو اليونان كمرحلة ثانية، قبل أن تكمل رحلتها صوب القطاع المحاصر.

وأوضح الشنوفي أنّ سفينة "ألما" الإسبانية تعرضت لعطل فني وتخضع حاليًا للإصلاح، مع توقعات بأن يتمكن الأسطول من بلوغ السواحل الفلسطينية خلال ستة أيام في حال كانت الظروف الجوية مواتية. وأكد أنّ المشاركين يدركون المخاطر المحدقة بهم، لكنّهم عازمون على الاستمرار، داعيًا الشعوب والإعلام إلى مساندتهم عبر التغطية والتفاعل على وسائل التواصل الاجتماعي "حتى لا يستفرد بهم الاحتلال الإسرائيلي"، على حدّ قوله.

 

مشاركة غير مسبوقة

يمثل أسطول هذا العام أكبر تحرك مدني من نوعه، إذ يضم عشرات السفن، من بينها السفن المغاربية: علاء الدين، دير ياسين، صمود، فلوريدا، وعمر المختار، حيث جرى تحويل الأخيرة إلى عيادة طبية عائمة مجهزة لتقديم الخدمات الصحية للمصابين. ويشارك على متن الأسطول مزيج متنوع من الناشطين والمتضامنين الدوليين، برلمانيين، أطباء، شخصيات عامة ورموز مجتمع من مختلف الجنسيات.

وتُعتبر هذه المرة الأولى التي ينطلق فيها هذا العدد الكبير من السفن معًا باتجاه القطاع في محاولة جماعية لكسر الحصار البحري. ورغم هذه الروح الجماعية، يواجه الأسطول تحديات لوجستية، أبرزها الظروف الجوية القاسية، حيث أكد عضو هيئة التسيير أنّ بعض النشطاء، بينهم مغاربة من سفينة علاء الدين، سيضطرون للعودة خلال اليومين المقبلين بسبب سوء الأحوال في عرض البحر.

 

"لسنا أبطالًا بل أصحاب ضمير"

من على متن عدد من السفن، أجمع المتضامنون على عبارة واحدة: "نحن لسنا أبطالًا، بل أشخاص لهم ضمير حي يهدفون إلى كسر الحصار"، مؤكدين أنّ مشاركتهم تأتي تضامنًا مع أكثر من مليوني فلسطيني يعيشون تحت الحصار والعدوان المستمر. وأضافوا أنّ استمرار التحدث عنهم إعلاميًا وحقوقيًا هو الضمانة الحقيقية لمنع الاحتلال من استهدافهم بعيدًا عن الأضواء.

 

قلق وتحركات دولية

بالتوازي مع التحرك الشعبي والمدني، أصدرت مجموعة من وزراء خارجية 17 دولة بيانًا مشتركًا أعربوا فيه عن قلقهم إزاء سلامة الأسطول، واعتبروا أنّه "مبادرة مدنية تهدف إلى إيصال المساعدات الإنسانية إلى غزة وزيادة الوعي بالاحتياجات الإنسانية للشعب الفلسطيني".

وشمل البيان توقيعات وزراء خارجية كل من: قطر، بنغلاديش، البرازيل، كولومبيا، إندونيسيا، إيرلندا، ليبيا، ماليزيا، المالديف، المكسيك، باكستان، سلطنة عُمان، سلوفينيا، جنوب أفريقيا، إسبانيا وتركيا. وأكد الوزراء أنّ حكوماتهم تشاطر المبادرة أهداف السلام وتقديم المساعدات، مشددين على احترامهم الكامل للقانون الدولي والقانون الإنساني الدولي.

كما حذّر البيان من أي اعتداء محتمل على الأسطول في المياه الدولية أو احتجاز غير قانوني للمشاركين، مؤكدًا أنّ ذلك سيترتب عليه مساءلة قانونية للمسؤولين عنه.

 

التصعيد الإسرائيلي في غزة

في المقابل، يواصل الاحتلال الإسرائيلي عملياته العسكرية المكثفة داخل قطاع غزة، ما يزيد من خطورة مهمة الأسطول. فقد شهدت مدينة غزة فجر السبت قصفًا عنيفًا استهدف أحياء الشيخ رضوان وتل الهوى وشمال معسكر الشاطئ غرب المدينة، إلى جانب مناطق في وسط القطاع مثل مخيم البريج. وأسفر القصف عن سقوط عشرات الشهداء والجرحى، وفق تقارير محلية.

كما يواصل الاحتلال اتباع سياسة "التجويع الممنهج"، عبر منع دخول الغذاء والدواء والوقود، ما تسبب في وفاة المئات، وبينهم عدد كبير من الأطفال، نتيجة الجوع ونقص الرعاية الصحية. ويؤكد المراقبون أنّ هذه السياسة تهدف إلى الضغط على السكان وإجبارهم على النزوح جنوبًا، في ظل العمليات البرية التي ينفذها الجيش الإسرائيلي على عدة محاور.

 

دلالات الحدث

يمثل انطلاق أسطول الصمود في هذا التوقيت تحديًا مزدوجًا، فمن ناحية يسعى إلى كسر الحصار الإنساني المفروض على أكثر من مليوني إنسان، ومن ناحية أخرى يضع الاحتلال الإسرائيلي أمام مسؤولياته القانونية والسياسية إذا ما أقدم على اعتراض سفن مدنية في المياه الدولية. كما أن المشاركة الواسعة لبرلمانيين وشخصيات عامة تضيف بُعدًا رمزيًا ورسالة سياسية قوية، مفادها أنّ التضامن مع غزة لم يعد مقتصرًا على الأطر الرسمية بل بات حركة عالمية متنامية.