"كل شروط الثورة الشعبية موجودة أكتر من أي وقت مضى. محصلشي في كل تاريخ مصر الطرد من البيوت، ونحن مش متهددين في اللقمة بس، دا إحنا متهددين نبقى عايشين أو ميّتين. وده بسبب طرد الملايين من بيوتهم بسبب الإيجار القديم."

بهذه الكلمات الصادمة، لخّص الفنان صلاح عناني مشاعر ملايين المصريين الذين يواجهون أزمة تهدد استقرارهم وحياتهم، بعد التعديلات الأخيرة لقوانين الإيجار القديم في مصر.
فالقضية لم تعد مجرد خلاف قانوني بين مالك ومستأجر، بل تحولت إلى قضية إنسانية كبرى تهدد حق المواطن في السكن الآمن.وأضاف " محدش يخاف علشان احنا اكتر من جيشه وبوليسه لازم نمشيهم من البلد".
https://www.facebook.com/profile.php?id=100008821478167
 

قانون ظالم
قوانين الإيجار القديم نشأت في مصر منذ منتصف القرن الماضي، لحماية المستأجرين من جشع السوق العقاري آنذاك.
ومع مرور الزمن، استقر ملايين المصريين في بيوت إيجار قديم، بعقود طويلة الأمد وبإيجارات زهيدة.
لكن الملاك ظلوا يشتكون من عدم قدرتهم على الاستفادة من عقاراتهم، مما دفع الدولة إلى إدخال تعديلات قانونية جذرية عام ٢٠٢٥.

التعديلات الجديدة نصّت على إنهاء العقود السكنية خلال سبع سنوات، وغير السكنية خلال خمس سنوات، مع فرض حد أدنى للإيجارات يتراوح بين ٢٥٠ و١٠٠٠ جنيه شهريًا حسب المنطقة، وزيادات سنوية إلزامية.
هذه الخطوات تعني فعليًا أن ملايين المستأجرين سيُجبرون على إخلاء بيوتهم، في حال عجزوا عن تحمل التكلفة الجديدة أو العثور على بديل.
 

لماذا يرى عناني أن الوضع «يستدعي ثورة شعبية»؟
من منظور عناني، ما يحدث ليس مجرد تعديل تقني لقوانين؛ إنه مشروع يغير خريطة المدن ويحد من قدرة الناس على البقاء في مواقعهم التاريخية والاجتماعية.
عندما يصبح فقدان البيت احتمالًا مفتوحًا لملايين، وينضاف إليه ارتفاع الأسعار وتآكل شبكات الدعم، تتحول المطالب الفردية إلى غضب جماعي يمكن أن يُختزل بوصف «ثورة شعبية» — أي انفجار احتجاجي شعبي يطالب بتصحيح جذري للسياسات.

هذا الوصف يعكس حالة استنفاد ثقة واسعة تجاه آليات الحماية التقليدية.
 

التداعيات الاجتماعية والإنسانية
المشكلة لا تكمن فقط في زيادة الإيجار، بل في التهديد المباشر بفقدان المأوى. تقارير حقوقية تشير إلى أن نحو مليوني مواطن معرضون للطرد الفعلي خلال السنوات المقبلة، ما لم تُوفَّر لهم حلول بديلة. بالنسبة لكثير من الأسر، البيت هو تاريخ وحياة كاملة، وليس مجرد جدران.
الأزمة تهدد بتمزيق النسيج الاجتماعي للأحياء القديمة، وتفتح الباب أمام توسّع العشوائيات إذا لم يتم التخطيط بشكل محكم. هذا الوضع جعل البعض يصف المرحلة بأنها «شرارة ثورة اجتماعية»، حيث لا يمكن لشعب أن يتحمّل العيش في خوف يومي من فقدان بيته.
 

أصوات الفنانين المتضررين
إلى جانب صلاح عناني، برزت أصوات فنانين آخرين من عالم السينما والتلفزيون ممن عبّروا علنًا عن معاناتهم مع الإيجار القديم:

نبيلة عبيد: عبّرت عن استغاثتها بعد أن طُلب منها إخلاء شقتها في شارع جامعة الدول العربية، مؤكدة أن الشقة ليست مجرد مسكن، بل تحتوي على تاريخها الفني وذكرياتها الخاصة، بما في ذلك الجوائز ومقتنيات والدتها. بالنسبة لها، خسارة الشقة تعني خسارة جزء من حياتها الفنية والشخصية.

نادية رشاد: كشفت عن أنها استأجرت شقة منذ سنوات طويلة بعقد قديم، وأنها فوجئت بأن القانون الجديد يلزمها بتسليمها بعد سبع سنوات فقط. أوضحت أنها لا تملك القدرة المادية لشراء شقة بديلة، مما يضعها أمام مستقبل غامض ويهدد استقرارها.

هذه النماذج تبرز أن القضية لم تعد تخص فئات فقيرة فقط، بل طالت رموزًا ثقافية وفنية، ما يضاعف من رمزية الأزمة وأثرها على المجتمع.
 

المواقف الحقوقية والسياسية
المنظمات الحقوقية المحلية والدولية حذرت من أن التطبيق الحرفي للتعديلات قد يطلق موجة تهجير داخلي غير مسبوقة. بعض هذه المنظمات دعت إلى وقف أي تنفيذ للإخلاءات حتى يتم توفير بدائل سكنية وتعويضات عادلة.

في البرلمان، انقسمت الآراء: تيار يرى أن القانون يعيد للملاك حقوقهم المهضومة، وتيار آخر يطالب بضمانات أكبر للمستأجرين، خصوصًا كبار السن وذوي الدخل المحدود.
ورغم هذا الجدل، فإن اللائحة التنفيذية ما زالت تفتقر إلى آليات عملية تمنع الكارثة الاجتماعية المتوقعة.
 

الحلول المقترحة
يرى الخبراء أن الحل العادل يكمن في تحقيق توازن بين حقوق المالك والمستأجر عبر:

  • تمديد المهلة الزمنية للتنفيذ بما يسمح للأسر بالتأقلم.
  • إطلاق برامج إسكان اجتماعي وتمويل حكومي لتعويض المستأجرين الأضعف.
  • إشراك المجتمع المدني والفنانين في صياغة الحلول، بما يضمن صوت الفئات المتضررة.

وأخيرا فأزمة الإيجار القديم في مصر تتجاوز حدود العقود والقوانين، لتصل إلى صميم الحياة اليومية للملايين.

تصريح صلاح عناني يعكس بصدق حجم الألم والخوف الذي يعيشه الناس: «نحن مهددون أن نكون أحياء أو أموات».
وبينما ترتفع أصوات الفنانين مثل نبيلة عبيد ونادية رشاد، يصبح واضحًا أن القضية لم تعد قضية عقارية فقط، بل مسألة كرامة إنسانية وحق أساسي في العيش ببيت آمن.