سلطت صحيفة فايننشال تايمز الضوء على النهج الإسرائيلي المتصاعد تجاه مصر، معتبرة أن تل أبيب تتعامل مع شريكها العربي الأهم بطريقة "مهينة"، بهدف إجبار القاهرة على قبول سيناريو تهجير الفلسطينيين من قطاع غزة، وهو ما يرفضه المصريون على المستويين الشعبي والرسمي.
ضغوط واتهامات مصطنعة
فبعد مرور 46 عاماً على توقيع معاهدة السلام، تحولت العلاقة – وفق الصحيفة – إلى ساحة توتر مفتعل. فإسرائيل عمدت إلى تعطيل صفقة الغاز المشتركة، وأطلقت اتهامات متكررة لمصر بخرق اتفاقيات سيناء، رغم نفي مسؤولين إسرائيليين كبار لهذه المزاعم.
وتوضح الصحيفة أن هذا الأسلوب ليس جديداً، إذ اعتاد رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو وحكومته إطلاق مزاعم غير مثبتة، ثم تكرارها عبر الإعلام وأنصار اليمين، حتى تتحول إلى ذريعة لممارسة الضغط على الجانب المصري.
صفقة الغاز المجمّدة.. أداة ابتزاز
تشير فايننشال تايمز إلى أن صفقة الغاز التي تعطلت مؤخراً كانت من شأنها أن تحقق فوائد اقتصادية ضخمة للجانبين: مصر بحاجة ماسة للغاز لتغطية احتياجاتها المحلية، فيما كانت الشركات الإسرائيلية ستجني أرباحاً كبيرة من زيادة الإنتاج وتوسيع البنية التحتية للتصدير.
لكن إسرائيل، بحسب الصحيفة، عطلت الصفقة في سياق سياستها الغامضة تجاه غزة، وغياب أي خطة واضحة لـ"اليوم التالي". هذا الفراغ فتح الباب أمام طرح أفكار متطرفة، بينها محاولة فرض ما يسمى بـ"التهجير الطوعي" للفلسطينيين إلى مصر.
"سيناريو التهجير".. خط أحمر مصري
توضح الصحيفة أن أي حكومة مصرية لن توافق على المشاركة في تهجير الفلسطينيين، لما يحمله ذلك من تداعيات كارثية على الأمن القومي المصري والاستقرار الداخلي.
كما أن القاهرة دفعت ثمناً باهظاً خلال العقود الماضية للحفاظ على اتفاقية السلام، وسط انتقادات شعبية ودولية لتعاونها مع إسرائيل رغم حرب غزة المستمرة.
أزمة دبلوماسية متصاعدة
تزامناً مع ذلك، تراجعت مستويات التواصل الدبلوماسي، إذ يغيب السفير المصري عن تل أبيب كما يغيب نظيره الإسرائيلي عن القاهرة، ما يضيّق القنوات السياسية في وقت تحتاج فيه المنطقة إلى حوار موسع.
كما تشهد البعثات الدبلوماسية المصرية حول العالم احتجاجات متكررة من مؤيدين للقضية الفلسطينية، في مؤشر على تزايد الضغوط الشعبية على الحكومة المصرية.
تجاهل إسرائيل لمصالحها بعيدة المدى
ترى الصحيفة أن تعامل إسرائيل مع مصر باعتبارها مجرد "مكب للنفايات السياسية" بدلاً من شريك استراتيجي، يهدد بعزلها عن أهم دولة عربية.
وتشير إلى أن مستقبل العلاقات يتوقف على إدراك إسرائيل أن مصالحها طويلة الأمد تتطلب التخلي عن أوهام التهجير القسري، واستئناف التعاون الاقتصادي والأمني، وفي مقدمة ذلك إعادة تفعيل صفقة الغاز بما يخدم مصلحة الطرفين.
مصر واستعادة دور الوساطة
وتختتم الصحيفة بالقول إن القاهرة، بعد أحداث الدوحة الأخيرة، قد تعود لتتصدر مشهد الوساطة بين إسرائيل وحركة حماس. وهو ما يجعل من الضروري لتل أبيب أن تعيد النظر في استراتيجيتها، وأن تستبدل الضغوط المفتعلة بالحوار الجاد، إن أرادت الحفاظ على استقرار علاقتها مع القاهرة ومنع انزلاق المنطقة إلى أزمات أعمق.