تتصاعد حالة من الغضب في أوساط أعضاء النيابة الإدارية بعد إخطارهم بقرارات الترقية الأخيرة، والتي رُبط تنفيذها بالخضوع لاختبارات الأكاديمية العسكرية.

حيث جرى إبلاغ المعنيين بأن المرور عبر بوابة الأكاديمية العسكرية صار شرطًا أساسيًا لإتمام الترقية، وأن أي خلل يتعلق بالوزن أو اللياقة البدنية قد يطيح بالقرار، بل قد يؤدي إلى وقف العضو عن العمل.

هذه الخطوة ليست مفاجئة بالكامل؛ فقد سبقتها سوابق واضحة خلال عامي 2023 و2024 مع دفعات النيابة العامة ومجلس الدولة، حيث كشفت تقارير صحفية عن رسوب عشرات من المعينين الجدد في اختبارات اللياقة العسكرية، بعضهم لم يُقبل بسبب زيادة طفيفة في الوزن أو عدم اجتياز الجري والفحص الطبي.

واليوم يتكرر المشهد مع النيابة الإدارية، ليترسخ اتجاه جديد لعسكرة القضاء المصري.

 

من الكفاءة القانونية إلى اللياقة العسكرية

تاريخيًا كان معيار التعيين أو الترقية في الهيئات القضائية قائمًا على التفوق الأكاديمي والخبرة العملية والنزاهة الشخصية.

لكن خلال السنوات الأخيرة، جرى إدخال متغير جديد لا علاقة له بالمهنة: معايير الوزن، واللياقة، والانضباط البدني.

أصبح العضو القضائي الذي يُفترض أن يقضي بين الأوراق والمرافعات مهددًا بفقد منصبه أو فرص ترقيته إذا زاد وزنه نصف كيلوغرام فقط.

هذا التحول يثير تساؤلات حول جدوى ربط مستقبل أعضاء السلطة القضائية بمؤشرات بدنية لا علاقة لها بأدائهم المهني أو كفاءتهم القانونية.

 

الأكاديمية العسكرية كـ"بوابة إجبارية"

منذ 2023 بات المرور عبر الكلية الحربية أو الأكاديمية العسكرية خطوة إلزامية أمام المعينين الجدد في النيابة العامة ومجلس الدولة.

كثيرون منهم فوجئوا بأن مستقبلهم معلق على نتيجة اختبارات ركض وقياس وزن وفحوص طبية.

واليوم، وبحسب ما تم إبلاغ أعضاء النيابة الإدارية، لن تُنفذ قرارات ترقيتهم إلا بعد اجتيازهم لاختبارات مماثلة في الأكاديمية.

المخاوف تتزايد بين الأعضاء، إذ يعلمون أن زملاءهم في السنوات الماضية فقدوا مواقعهم بسبب معايير لا تتصل بالعمل القضائي في جوهره.

 

إحباط داخل الهيئات القضائية

المحامون والقضاة السابقون يصفون هذا التوجه بأنه يضرب استقلال القضاء في الصميم.

كيف يُعقل أن يكون وزن أو مستوى لياقة بدنية معيارًا لحكم على قاضٍ مارس عمله لعشرات السنوات؟

أعضاء النيابة الإدارية أنفسهم يرون أن هذا الشرط الجديد يقوض مكانتهم المهنية ويضعهم في موضع "جنود تحت الاختبار"، لا أعضاء في سلطة قضائية مستقلة.

النتيجة المباشرة لذلك هي حالة من الإحباط والقلق، حيث يشعر كثير من الأعضاء أن مستقبلهم بات مرهونًا بمعايير لا يمكن التنبؤ بها أو الاعتراض عليها.

 

معايير مشوهة مقارنة بالعالم

في النظم القضائية عبر العالم، يخضع القضاة والمستشارون لمعايير صارمة تتعلق بالكفاءة القانونية، الاستقامة، سجل الأداء، وأحيانًا النزاهة المالية.

لم يحدث أن رُبط مستقبلهم بوزن الجسم أو سرعة الركض في مضمار عسكري.

ما يجري في مصر يبدو استثناءً يثير الاستغراب، ويكشف عن توجه متعمد لعسكرة جهاز العدالة وربط مساراته الوظيفية بالمؤسسة العسكرية.

 

تأثيرات بعيدة المدى

ربط الترقيات بالاختبارات العسكرية قد يترك آثارًا عميقة على صورة القضاء المصري.

من ناحية، سيُنظر إلى أعضائه باعتبارهم غير مستقلين وخاضعين تمامًا لشروط السلطة التنفيذية والعسكرية.

ومن ناحية أخرى، سيتراجع انتماء القضاة أنفسهم لمؤسساتهم، إذ يشعرون أن مسيرتهم المهنية مهددة بمعايير خارج اختصاصهم.

هذا التوجه أيضًا قد يضعف ثقة الرأي العام في استقلال القضاء، إذ يرى المواطنون أن من يُفترض أن يحمي العدالة خاضع لاختبارات جسدية أشبه بما يفرض على المجندين.

 

القضاء في ثكنة

ما يحدث مع أعضاء النيابة الإدارية اليوم ليس معزولًا عن مسار عام بدأ منذ سنوات، حيث تُدفع الهيئات القضائية إلى الثكنة العسكرية، ويُختزل مستقبل أعضائها في مؤشرات الوزن واللياقة.

وإذا استمر هذا النهج، فإن القضاء المصري سيجد نفسه في وضع غير مسبوق: قضاة يرتدون عباءة القانون، لكن ترقياتهم ومناصبهم تُقرر على أبواب الأكاديمية العسكرية.