في مشهد متكرر لا يختلف كثيرًا عن سابقاته، انعقدت القمة العربية الإسلامية الطارئة في الدوحة، وسط وعود كبيرة بإحداث "تحول نوعي" في التعاطي مع المجازر الإسرائيلية بحق الشعب الفلسطيني في غزة. غير أن كلمات القادة الذين صعدوا إلى منصة الخطابة جاءت أقرب إلى التهدئة والتسكين، مليئة بالتنديد والوعيد الكلامي، لكنها خلت من أي قرارات عملية أو إلزامية لإدخال المساعدات أو فرض ضغط سياسي واقتصادي على الكيان الصهيوني. وفي الوقت الذي كان قادة العالم الإسلامي يتبارون في خطبهم، كان بنيامين نتنياهو يتوعد الفلسطينيين بمزيد من القتل والدمار، وكأنه يعلن أمام القمة أن كلماتهم لا تساوي شيئًا على أرض الواقع.
تميم بن حمد: دعوة لإغاثة غزة ووقف العدوان
أمير قطر الشيخ تميم بن حمد آل ثاني افتتح كلمته بالتأكيد على ضرورة وقف فوري للعدوان الإسرائيلي الوحشي على غزة، ودعا العالم إلى تحمّل مسؤولياته القانونية والأخلاقية في مواجهة ما وصفه بـ"الجرائم الموثقة بالصوت والصورة".
ورغم لهجة الحزم في كلمته، فإن دعوته اقتصرت على المناشدات، دون أن ترافقها أي التزامات أو خطوات عملية واضحة، ما جعل خطابه يصب في سياق التنديد المعتاد الذي اعتادته الشعوب العربية من قمم مماثلة.
كلمة وزير الخارجية القطري: تأكيد على فشل المجتمع الدولي
الشيخ محمد بن عبدالرحمن آل ثاني، رئيس الوزراء ووزير الخارجية القطري، شدد على أن المجتمع الدولي قد فشل في وضع حد للجرائم الإسرائيلية، مشيرًا إلى ازدواجية المعايير الغربية في التعامل مع القضايا الإنسانية. ورغم وضوح رسالته، إلا أن حديثه لم يخرج عن إطار التشخيص ووصف المأساة، ليبقى كلامه جزءًا من الصورة البروتوكولية التي تُراد منها تغطية عجز القمة عن اتخاذ خطوات فعلية، كتجميد علاقات أو فرض عقوبات على الكيان الصهيوني.
عبدالفتاح السيسي: حديث عن حل الدولتين دون إجراءات عملية
قائد الانقلاب في مصر عبدالفتاح السيسي كرر في كلمته الحديث عن "حل الدولتين" كخيار وحيد لتحقيق السلام، ورفض تهجير الفلسطينيين أو تصفية قضيتهم. ورغم أن كلامه بدا متوازنًا، إلا أنه جاء خاليًا من أي اقتراح عملي أو موقف صريح قد يشكل ضغطًا على إسرائيل. اكتفى السيسي بالحديث الدبلوماسي الفضفاض الذي يسعى لإرضاء الجميع، متجنبًا أي التزامات سياسية أو اقتصادية ملموسة، ليبقى كلامه في خانة الشجب الخطابي.
الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي: تصعيد ضد إسرائيل وتحميل الغرب المسؤولية
إبراهيم رئيسي، الرئيس الإيراني، اختار خطابًا تصعيديًا، حيث وصف إسرائيل بأنها "كيان مجرم يجب محاسبته"، وألقى بالمسؤولية على الولايات المتحدة والدول الغربية لدعمها المتواصل له. وأكد أن على الدول الإسلامية أن تتحرك لقطع العلاقات مع تل أبيب، لكنه لم يعلن عن خطوات ملموسة من جانب بلاده، الأمر الذي جعل خطابه بدوره أقرب إلى الدعاية السياسية لإيران أمام الشارع العربي والإسلامي، دون أن يغيّر في المعادلة الواقعية شيئًا.
الرئيس السوداني: خطاب تضامني وسط أزمات الداخل
رئيس المجلس السوداني عبدالفتاح البرهان الذي يواجه أزمات سياسية وأمنية داخلية في بلاده، حرص على تسجيل موقف تضامني مع الفلسطينيين، مؤكدًا أن السودان يقف إلى جانب غزة. غير أن كلمته بدت ضعيفة ومقتضبة، بلا أدوات ضغط حقيقية أو مبادرات يمكن أن يعتد بها، لتضاف إلى رصيد الخطب التضامنية التي لا تسمن ولا تغني من جوع.
رجب طيب أردوغان: مهاجمة إسرائيل واتهامها بجرائم حرب
الرئيس التركي رجب طيب أردوغان استثمر خطابه للهجوم على إسرائيل بشكل مباشر، واصفًا ما تقوم به في غزة بأنه "جرائم حرب لا تغتفر". وأكد أن بلاده ستواصل دعم الفلسطينيين سياسيًا وإنسانيًا.
القمة بين الشجب والواقع: خطب لتهدئة الشعوب بلا أفعال
خلاصة القمة أن ما خرج منها لم يتجاوز عبارات التنديد، الشجب، والاستنكار، فيما بقيت غزة تحت القصف والحصار.
الخطابات العنترية لم تغير من الواقع شيئًا، بل كانت وسيلة لإسكات الشارع العربي والإسلامي الغاضب، وحفظ ماء وجه الحكومات أمام شعوبها.
فالقادة اتفقوا ضمنيًا على عدم اتخاذ أي قرار عملي لإدخال المساعدات أو لردع إسرائيل، تاركين الفلسطينيين يواجهون مصيرهم وحدهم، بينما اكتفوا بالكلمات الرنانة التي لم تعد تقنع أحدًا.