ذكرت القناة الـ15 الإسرائيلية أن طائرة رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو — المطلوب للمحكمة الجنائية الدولية — ستسلك مسارًا أطول من المعتاد في رحلته المرتقبة إلى مدينة نيويورك بالولايات المتحدة، خشيةَ منعِ بعض الدول الأوروبية مرور طائرته في أجوائها، أو اضطراره للهبوط، ما قد يعرّضه لخطر الاعتقال بسبب اتهامه بارتكاب جرائم حرب في قطاع غزة.
توقيت حساس ومشاركة دولية
وتأتي هذه التطورات في وقت حساس، حيث يستعد نتنياهو للمشاركة في أعمال الجمعية العامة للأمم المتحدة نهاية الشهر الجاري، وسط تزايد الضغوط الدولية على إسرائيل بعد الحرب المستمرة في غزة منذ عامين.
غياب الصحفيين وذريعة «المسألة الفنية»
وفي خطوة وُصفت بأنها غير مسبوقة، كانت قناة «كان» الإسرائيلية قد كشفت قبل أيام أن نتنياهو لن يُرافقه صحفيون على متن الطائرة الحكومية المعروفة باسم «جناح صهيون»، خلافًا لما جرت عليه العادة في مثل هذه الرحلات الرسمية.
وبرّر مكتب رئيس الوزراء القرار بأنه «مسألة فنية»، لكن تقارير إعلامية إسرائيلية ربطت الخطوة مباشرةً بالمخاوف من تعقيدات محتملة خلال عبور أجواء دول أوروبية قد تتجاوب مع أوامر المحكمة الجنائية الدولية في لاهاي.
كما أشارت قناة «آي نيوز 24» الإسرائيلية إلى أن تقليص عدد الركاب على متن الطائرة يعود إلى حسابات الوزن، بعدما تم تحديد مسارات أطول تتطلب مزيدًا من الوقود، تجنّبًا لأجواء دول يُحتمل أن ترفض منح تصريح التحليق.
تجارب سابقة في الهروب من الأجواء الأوروبية
وليس هذا السيناريو جديدًا على نتنياهو؛ ففي أبريل الماضي، اضطر رئيس وزراء الاحتلال إلى اتخاذ مسار أطول بكثير خلال رحلته من العاصمة المجرية بودابست إلى واشنطن، لتفادي أي احتمال لهبوط اضطراري في إحدى الدول الأوروبية التي قد تنفذ أمر المحكمة الجنائية الدولية وتعتقله.
وذكرت صحيفة هآرتس آنذاك أن الطائرة الحكومية الإسرائيلية قطعت مسافة إضافية تُقدّر بـ400 كيلومتر عن المسار الأمثل، بعدما استُبعد مرورها فوق أجواء أيرلندا وآيسلندا وهولندا، واختير بديل يمر عبر كرواتيا وإيطاليا وفرنسا.
وأكدت الصحيفة أن جميع رحلات نتنياهو منذ اندلاع حرب غزة تتجنب بعض الأجواء الأوروبية، وتعتمد بشكل أساسي على مسارات عبر اليونان وإيطاليا وفرنسا ومنها إلى المحيط الأطلسي.
انتقادات دولية وضغوط حقوقية
وأثارت هذه الترتيبات انتقادات واسعة من منظمات حقوقية دولية، حيث اعتبرت منظمة العفو الدولية أن السماح بمرور نتنياهو في أجواء الدول الأوروبية يُعدّ «تواطؤًا غير مقبول».
وقال ستيفن بوين، مدير المنظمة في أيرلندا: «من المفجع أن نرى القادة الأوروبيين يتغاضون عن التزاماتهم. فبدلاً من تأمين اعتقاله، يسمحون له بالتحليق فوق سمائهم. إذا كانت الدول قادرة على رفض تصريح عبوره، فإن الواجب الأخلاقي والقانوني يحتم عليها أن تفعل ذلك».
طائرة «جناح صهيون» بين السياسة والجدل الإعلامي
وتُعدّ الطائرة الحكومية «جناح صهيون» — التي يستخدمها كلٌّ من رئيس الاحتلال إسحاق هرتسوغ ورئيس الوزراء نتنياهو — إحدى الطائرات التي أثارت الكثير من الجدل في الداخل الإسرائيلي.
فهي مبنية على طراز بوينغ 767 من نوع «KC-64»، وقد اشترتها الصناعات الجوية الإسرائيلية عام 2016 من شركة كانتاس الأسترالية، وخضعت لتحويل شامل لتصبح طائرة مجهزة لنقل كبار الشخصيات.
ورغم تكلفتها الباهظة والانتقادات التي صاحبت تجهيزها، فإن الطائرة باتت اليوم أداة مركزية في معركة نتنياهو لتجنّب مذكرة اعتقال قد تُقيّد حركته على الساحة الدولية، وتُلقي بظلالها الثقيلة على مشاركاته الدبلوماسية في الخارج.
لماذا تصمت العواصم العربية؟
وبينما يُثار الجدل في أوروبا بشأن وجوب اعتقال نتنياهو أو منعه من عبور الأجواء، يتساءل مراقبون عن سبب غياب أي تحرك عربي مماثل، سواء عبر وقف التحليق الإسرائيلي فوق أجواء الدول العربية، أو تعليق العلاقات الاقتصادية والدبلوماسية، خصوصًا في ظل مذكرة المحكمة الجنائية الدولية وما ارتكبته إسرائيل من جرائم بحق الفلسطينيين.
ويرى محللون أن الموقف العربي، في معظمه، يتسم بالصمت أو يكتفي ببيانات إدانة عامة، في وقتٍ تملك فيه هذه الدول أوراق ضغط قوية، من أبرزها المجال الجوي والأسواق التجارية والعلاقات الدبلوماسية، وهو ما يجعل التساؤل قائمًا: لماذا لا يستخدم العرب الأدوات المتاحة لديهم كما يفعل الأوروبيون، على الأقل في مستوى التلويح؟