في مصر اليوم، يمكن لمواطن عادي أن يجد نفسه خلف القضبان لمجرد أنه كان طرفًا في حادث مروري بسيط، أو لأنه عبّر عن اعتراضه في لحظة غضب.
هذا ما حدث مع محمد إبراهيم أبوزيد، الذي تحوّلت قصته من شراء سيارة لتشغيلها في خدمة "أوبر" إلى حكم قضائي بالحبس سنة كاملة مع سنة مراقبة، بل وانتهى به الحال إلى الاعتقال من قبل الأمن الوطني بالهرم، بسبب مشادّة مع سيدة، تبيّن أنها زوجة رئيس محكمة بني سويف المستشار خالد محمد عبدالسلام.
بداية القصة: سيارة للعمل واصطدام من الخلف
القصة بدأت حين اشترى أحمد أبوزيد وأخوه محمد سيارة جديدة لتأمين مصدر رزق من خلال تشغيلها ضمن خدمة "أوبر".
وأثناء السير في أحد الشوارع، اصطدمت سيارة أخرى بهم من الخلف. نزل محمد من السيارة ليتفقد الموقف، فإذا بامرأة تستقل السيارة الأخرى تبدأ بسبّه وشتمه، ثم انصرفت دون اتخاذ أي إجراء قانوني أو حتى تحرير محضر في قسم الشرطة.
محكمة عابدين تحكم بسجن شاب مجاملة لزوجة رئيس محكمة.. ما القصة؟ pic.twitter.com/RRS5qIprpQ
— شبكة رصد (@RassdNewsN) September 14, 2025
من خلاف عابر إلى محكمة عابدين
الصدمة كانت بعد أيام قليلة، حين فوجئ محمد إبراهيم أبوزيد بإحالته إلى قضية أمام محكمة عابدين، دون علمه بتفاصيل الاتهام أو طبيعة الشكوى المقدّمة ضده. وفي جلسة غابت عنها أدنى معايير العدالة، صدر حكم قاسٍ يقضي بحبسه سنة كاملة، إضافة إلى سنة أخرى تحت المراقبة.
هذا الحكم كشف عن ممارسات قضائية منحازة، حيث لم يتم الالتفات إلى شهادة الدفاع أو حتى مراجعة ملابسات الواقعة التي بدأت بحادث مروري عابر.
تجاوزات القضاء وانحياز ممنهج
القضية تكشف واحدة من أعمق أزمات القضاء المصري اليوم:
- انحياز القضاء إلى الطرف المدعوم اجتماعيًا أو سياسيًا، حتى وإن كان المواطن البسيط هو الضحية.
- التساهل في قبول القضايا ضد المواطنين دون أدلة قوية، بينما تُهمل شكاوى المتضررين إذا كان خصمهم محسوبًا على دوائر النفوذ.
- الأحكام الجاهزة التي تُصدر دون تمحيص أو التزام حقيقي بمبادئ العدالة.
تدخل الأمن الوطني: من قضية مدنية إلى اعتقال سياسي
لم تتوقف المأساة عند حد الحكم القضائي، بل تصاعدت حين تم اعتقال محمد إبراهيم أبوزيد من قبل الأمن الوطني بالهرم بعد استغاثته بالنائب العام.
هذا التطور يطرح أسئلة خطيرة: كيف يتحوّل نزاع مدني بسيط إلى قضية أمنية؟ ولماذا يتم الزج بالمواطنين في دوائر القمع السياسي لمجرد أن لهم خصومة قضائية عادية؟
الاعتقال من قبل الأمن الوطني يعكس واقعًا مريرًا، حيث لم تعد الأجهزة الأمنية تميّز بين المعارضين السياسيين والمواطنين العاديين، فالكل معرض للاعتقال والتنكيل.
ردود فعل حقوقية وشعبية
ناشطون حقوقيون وصفوا ما حدث بأنه جريمة مركبة: حكم قضائي جائر، يتبعه اعتقال أمني خارج إطار القانون.
مواطنون علقوا بأن "القانون في مصر لا يحمي الضعفاء، بل يُستخدم كأداة لإخضاعهم".
ومن جهته قال تليسكوب تويتر: "مفيش فايدة!! البلد دي حتفضل بلد بت وسخة ليوم القيامة. دا أهلها فرعون قالهم أنا إلهكم الأعلى وصدقوه!!"
https://x.com/tlskwb_t/status/1967460640517419056
وأشار عبدالحليم الشافعي: "مش معنى إنك ساكت وحاطط جزمة في فمك يبقى هتسلم من إذاهم. كل من له تار مع السيسي يجهز.. #قريبًا #طوفان_الأمة"
https://x.com/bdalhlym24060/status/1967481216132903160
وأضاف وعد الآخرة: "هذا النظام الفاسد سيدفع الناس للمواجهة لا محال، ونجاح ثورة نيبال، الذي قرر فيه الشعب التخلّص بنفسه من الفاسدين والظالمين، يجب أن يُطبق في مصر."
https://x.com/MrBien96705/status/1967475632239251813
وأشار زاهد: "لا جديد، لا مكان للعدل في مصر، وليس الجميع سواسية، وعصر الإقطاع مستمر ولكن بمسميات أحدث، والطبقية حتى في القانون."
https://x.com/Zaaheedd/status/1967375427661676779
وقالت جامي: "فاكرين نفسهم معصومين عن المحاسبة، عموما الحمد لله على يوم القيامة اللي هنشوف فيه الأشكال دي في أماكنها اللي تليق بيها، وإن شاء الله كمان في الدنيا."
https://x.com/3wNx3jlmkh6aQxO/status/1967427109623919037
بعض المحامين أكدوا أن القضية مثال حيّ على غياب العدالة، إذ جرى التعامل مع محمد إبراهيم باعتباره مجرمًا منذ البداية، دون أي فرصة حقيقية للدفاع.
وأخيرًا، فقصة محمد إبراهيم أبوزيد ليست استثناءً، بل هي حلقة في سلسلة طويلة من التجاوزات التي يتعرض لها المصريون يوميًا من قبل القضاء والشرطة.
تبدأ الحكاية من نزاع بسيط، ثم تتحول إلى محاضر، فقضايا، فحكم بالحبس، ثم اعتقال من الأمن الوطني، لينتهي المواطن البسيط ضحية لنظام يخلط بين العدالة والبطش.
هذه الواقعة تؤكد أن المواطن المصري يعيش اليوم بلا ضمانات حقيقية، وأن القضاء والأمن الوطني تحوّلا من أدوات لحماية الناس إلى أدوات لإخضاعهم وإذلالهم.
في ظل هذه الممارسات، يصبح كل مواطن معرضًا لأن يجد نفسه غدًا مكان محمد إبراهيم، بلا جرم سوى أنه يعيش في دولة تعتبره خصمًا لا صاحب حق.