لم تعد غزة بعيدة عن ضمير العالم، وهذا ما أثبته عشرات الآلاف من النيوزيلنديين الذين خرجوا إلى شوارع أوكلاند في أكبر مسيرة تضامنية مع فلسطين في تاريخ البلاد.
رفع المتظاهرون الأعلام الفلسطينية، وصدحت حناجرهم بالهتاف ضد "الإبادة" الإسرائيلية، في مشهد يفضح وحشية الاحتلال من جهة، وتواطؤ الحكومات الغربية بالصمت أو الدعم الضمني من جهة أخرى.
شعب يصرخ: لا للإبادة.. نعم لفلسطين
بحسب مجموعة "أوتياروا من أجل فلسطين"، فإن نحو 50 ألف شخص شاركوا في "مسيرة من أجل الإنسانية"، وهو رقم غير مسبوق في نيوزيلندا.
الشرطة قللت العدد إلى 20 ألفًا، لكن أيًّا كانت التقديرات، فالرسالة أوضح من أن تُتجاهل: الشعب النيوزيلندي يرفض المجازر الإسرائيلية.
اللافتات المرفوعة كانت قاطعة: "لا تقبلوا بالإبادة الجماعية"، "قاطعوا إسرائيل"، "فلسطين حرة".
لم يخرج الناس للفرجة أو لإظهار تضامن رمزي، بل للمطالبة بموقف عملي: فرض عقوبات على الكيان الإسرائيلي الذي يحول غزة إلى مقبرة جماعية.
حكومة نيوزيلندا.. صمت مشين
رغم هول المأساة ودماء عشرات الآلاف من الفلسطينيين، تواصل حكومة نيوزيلندا برئاسة كريستوفر لوكسون المماطلة والاكتفاء بالتصريحات المائعة.
لوكسون وصف ما يحدث في غزة بأنه "مروع"، لكنه لم يجرؤ على خطوة ملموسة مثل الاعتراف بالدولة الفلسطينية أو فرض عقوبات على إسرائيل.
هذا التردد ليس سوى شكل من التواطؤ السياسي الذي يمنح الاحتلال المزيد من الوقت لمواصلة جرائمه. المسيرة كانت بمثابة صفعة لهذه الحكومة، ورسالة واضحة أن الشعب النيوزيلندي أسبق أخلاقيًا من قيادته السياسية.
إسرائيل.. مجازر بلا توقف
منذ حرب الطوفان في أكتوبر 2023، الذي تقول إسرائيل إنه أسفر عن مقتل 1200 شخص، رد الاحتلال بحرب إبادة لم يسبق لها مثيل.
أكثر من 64 ألف شهيد فلسطيني، معظمهم نساء وأطفال، وحصار خانق يهدد سكان غزة بالمجاعة.
وبينما يصف الإعلام الغربي ما يجري بأنه "نزاع"، فإن الواقع أكثر وضوحًا: إسرائيل تنفذ جرائم حرب موثقة، تستهدف شعبًا أعزل أمام أعين العالم.
ومع ذلك، لا عقوبات، ولا محاسبة، بل تستمر تل أبيب في تلقّي السلاح والدعم.
شجاعة الشارع في مواجهة لوبيات الضغط
المسيرة في أوكلاند أثبتت أن الشارع قادر على كسر رواية اللوبيات الموالية لإسرائيل.
صحيح أن المجلس اليهودي النيوزيلندي حاول التغطية على جرائم الاحتلال بالحديث عن "محنة الرهائن"، لكن هذه الأصوات باتت معزولة أمام بحر من الأعلام الفلسطينية والهتافات التي تفضح الاحتلال.
المنظمون قالوا بوضوح: "لن نصمت. لن نسمح لحكومتنا أن تكون شريكًا في الجريمة بالصمت أو الحياد الزائف".
ضمير الشعوب أقوى من تواطؤ الحكومات
ما جرى في أوكلاند ليس حدثًا عابرًا، بل رسالة صريحة: إما أن تتحرك الحكومات أو ستُحاصر أخلاقيًا من شعوبها.
إسرائيل تفقد شرعيتها يومًا بعد يوم، وكل مسيرة تضامنية هي خطوة في طريق عزلها دوليًا.
لقد قال النيوزيلنديون كلمتهم: "لا للإبادة، نعم لفلسطين"، وما على حكومة لوكسون إلا أن تختار بين الوقوف مع الضمير الإنساني أو البقاء في معسكر المتواطئين.