أعلنت شبكة أطباء السودان، عن مصرع ستة أشخاص وإصابة تسعة آخرين بجروح متفاوتة، إثر انهيار بئر للتنقيب عن الذهب في منطقة الباوقة بولاية نهر النيل شمالي البلاد. وجرى نقل المصابين إلى مستشفى عطبرة وسط أوضاع صحية حرجة، فيما تجددت الدعوات لإيقاف نزيف الأرواح الناجم عن الفوضى المستمرة في قطاع التعدين الأهلي.
 

فوضى التعدين الأهلي وغياب معايير السلامة
لم يكن الحادث، بحسب البيان، مجرد واقعة عرضية، بل نتيجة مباشرة لغياب الرقابة وانعدام معايير السلامة المهنية. إذ يعمل ملايين السودانيين في ظروف بدائية داخل مناجم غير مؤمنة، دون أدوات حماية أو إشراف حكومي، ما يجعل من الانهيارات والموت مشهداً متكرراً.

ويقدر عدد العاملين في التعدين الأهلي بأكثر من مليوني شخص موزعين في ولايات السودان المختلفة، وهو ما يمثل نحو 80% من إنتاج الذهب الوطني. لكن هذا النشاط، الذي يُفترض أن يكون رافعة اقتصادية، تحول إلى مصدر دائم للضحايا. ففي يونيو الماضي، انهار منجم آخر في منطقة “هويد” بين ولايتي نهر النيل والبحر الأحمر، مخلفاً 11 قتيلاً و7 مصابين.
 

الذهب.. من مورد اقتصادي إلى لعنة وطنية
منذ انفصال جنوب السودان عام 2011 وخسارة الخرطوم معظم عائداتها النفطية، أصبح الذهب المصدر الأساسي للعملات الصعبة. غير أن هذه الثروة، التي كان يعول عليها لإنقاذ الاقتصاد، تحولت إلى نقمة غذّت النزاعات الداخلية وكرّست الفوضى. فالسلطات السودانية لا تمنع التعدين الأهلي رسمياً لكونه يوفر فرص عمل لملايين الشباب، لكنها في المقابل عاجزة عن تنظيمه أو تأمينه، ما يجعل العمال يواجهون موتاً يومياً في أعماق الأرض.
 

الاتهامات تطال الإمارات.. الذهب مقابل الدم
يتقاطع المشهد السوداني مع دور إقليمي مثير للجدل، حيث تتزايد الاتهامات للإمارات بالاستفادة من الفوضى المستمرة في قطاع الذهب. فوفق تقارير عديدة، أصبحت أبوظبي الوجهة الأولى للذهب السوداني، ليس فقط عبر الشراء، بل من خلال دعم مجموعات مسلحة تسيطر على مناطق التعدين، ما يضمن لها تدفق المعدن النفيس بأسعار زهيدة.

ويرى ناشطون أن هذه السياسات تمثل شكلاً من “النهب الممنهج” الذي يسهم في تدمير البنية التحتية وتعميق الأزمات الاقتصادية، بينما يظل المواطن السوداني الضحية الأولى، محاصراً بين الفقر والانهيارات والحروب.
 

انهيار البنية التحتية وتداعيات إنسانية
غياب الاستثمار في المرافق الأساسية يجعل مناطق التعدين أشبه بمناطق منكوبة: لا طرق ممهدة، لا مستشفيات مجهزة، ولا معدات إنقاذ. أي انهيار ولو بسيط يتحول إلى كارثة إنسانية تحصد الأرواح. ومع تكرار المآسي، تكتفي الحكومة ببيانات مقتضبة دون إجراءات جذرية، وسط اتهامات بالتواطؤ مع شبكات مصالح اقتصادية داخلية وخارجية.
 

دعوات عاجلة وإصرار على الصمت
طالبت شبكة أطباء السودان بإيقاف العمل في الآبار غير المؤمنة، وتوفير بدائل آمنة للعمال، ومحاسبة المتسببين في تعريض حياة المواطنين للخطر. لكن تلك الدعوات، كما في كل مرة، تواجه جدار الصمت الرسمي، مما يعزز المخاوف من استمرار هذه الكوارث بلا حلول.