عاد التلفزيون السوداني للبث بعد أكثر من عامين من التوقف القسري نتيجة الحرب والصراعات المسلحة، في خطوة طال انتظارها من قبل المواطنين.
هذه العودة تأتي بعد فترة طويلة من العزلة الإعلامية، حيث ظل السودانيون محرومين من الأخبار المحلية الموثوقة، مع استمرار توقف البنية التحتية للتلفزيون الوطني نتيجة الهجمات المتكررة على مقرات البث ومكاتب الإعلام.
وقد أظهرت التجربة أن قوات الدعم السريع كانت تستهدف بشكل مباشر مقرات البث والقنوات المحلية بالصواريخ والقصف، في محاولة واضحة للسيطرة على المعلومات وإخفاء الحقائق عن الرأي العام.
وفق تقديرات مبدئية، تضرر نحو 70% من المعدات الفنية والقاعات الرئيسية للتلفزيون، ما تسبب في توقف العمل في 5 من أصل 7 مكاتب رئيسية للقناة، وأدى إلى فقدان أكثر من 250 موظفًا بين صحفي وفني وإداري لوظائفهم خلال فترة التعطل. هذه الممارسات أدت إلى تفاقم أزمة المعلومات، ودفعت المواطنين إلى الاعتماد على الأخبار المشوشة أو وسائل التواصل الاجتماعي، ما زاد من حالة عدم اليقين والارتباك في المجتمع السوداني.
استئناف البث الرمزي للتلفزيون الوطني لم يأتِ مصادفة، بل يمثل محاولة لإعادة تقديم الأخبار الأساسية للمواطنين، رغم الأضرار الكبيرة التي لحقت بالبنية التحتية للقناة.
وقد عانت القناة من فقدان معدات البث الرئيسية مثل أجهزة الإرسال، والأقمار الصناعية، وكابلات البث الأرضية، ما جعل عملية إعادة التشغيل تحديًا تقنيًا كبيرًا، خاصة في ظل نقص الموارد والتمويل.
ويواجه فريق العمل الصحفي والفني صعوبات هائلة لتغطية جميع الولايات، حيث لم يتمكن أكثر من 40% من المناطق الريفية من متابعة البث المباشر بعد، مما يعكس حجم التحديات التي خلفتها الهجمات السابقة على الإعلام.
من الناحية الإنسانية، يتيح البث الجديد للمواطنين متابعة الأحداث الطارئة والملفات الحياتية الحرجة، مثل أزمة الغذاء والمياه والكهرباء، التي تأثرت بشكل مباشر نتيجة الحرب.
كما يسهم في توفير المعلومات الطبية والصحية المهمة، في وقت تزداد فيه حاجة السكان إلى المعلومة الموثوقة لمواجهة الأزمات اليومية.
ومع ذلك، تظل السيطرة السابقة لقوات الدعم السريع على مراكز الإعلام تثير مخاوف من أي تدخل محتمل في محتوى الأخبار، وهو ما يؤكد ضرورة حماية الإعلاميين والمعدات من أي اعتداءات مستقبلية.
على الصعيد الفني، تطلبت العودة للبث جهودًا كبيرة لإصلاح الأقمار الصناعية وخطوط البث الأرضية المتضررة، وذلك عبر التعاون مع خبراء محليين ودوليين.
ورغم هذه الجهود، ما زال الوصول إلى تغطية شاملة لكافة الولايات محدودًا، مع استمرار توقف بعض المكاتب التي تأثرت بنسبة 100% من معداتها، ما يجعل بعض المناطق محرومة من متابعة الأخبار المباشرة، ويبرز الحاجة الماسة إلى حماية البنية التحتية الإعلامية بشكل دائم.
اقتصادياً، يمثل إعادة تشغيل التلفزيون فرصة لإنعاش قطاع الإعلام وتوفير فرص عمل للصحفيين والفنيين الذين فقدوا أعمالهم خلال فترة توقف القناة.
لكن الخسائر التقديرية في المعدات والبنية التحتية تجاوزت 15 مليون دولار، فضلاً عن فقدان العقود والمشاريع الإعلانية، ما أثر سلبًا على قدرة المؤسسات الإعلامية على تقديم محتوى متنوع ومستقل.
في المجمل، عودة التلفزيون السوداني للبث بعد أكثر من عامين تعد خطوة مهمة نحو استعادة القدرة الإعلامية، لكنها تكشف حجم التحديات التي خلفتها الهجمات على الإعلام، وأهمية حماية حرية الصحافة والمعلومات في ظل أي صراع مسلح.
وتظل التجربة درسًا صارخًا حول كيفية تأثير العنف على الإعلام وحرمان المواطنين من الحق الأساسي في المعرفة والمعلومة الموثوقة، وما يتطلبه الأمر من سياسات حماية صارمة للبنية التحتية الصحفية والعاملين فيها.