خلال مؤتمر صحفي، زعم وزير المالية المصري، أحمد كجوك، أن الدولة نجحت في تقليل الدين الخارجي لأجهزة الموازنة بمقدار 4 مليارات دولار خلال عامين، وأن نسبة الدين الحكومي إلى الناتج المحلي انخفضت من 89.4% إلى 85.6%، مع إطالة متوسط آجال الدين المحلي من 1.2 إلى 1.6 عام.
هذه التصريحات تبدو طمأنة، لكنها تصطدم بأرقام رسمية ومعطيات مستقلة تشير إلى واقع معاكس تمامًا، يكشف عن استمرار تدهور الوضع المالي للدولة.
 

الدين الخارجي لم يتراجع بل انخفض فقط مؤقتًا

تشير بيانات مصرف مصر المركزي إلى أن الدين الخارجي حقق في الربع الأول من 2023 انخفاضًا بمقدار 7.4 مليار دولار (من 168 إلى 160.6 مليار).

لكنه عاد للارتفاع مجددًا، وسجل 168 مليار دولار نهاية عام 2023 ، وقبل ذلك كان 162.9 مليار في ديسمبر 2022.

عام 2024 شهد أكبر انخفاض على الإطلاق في الدين الخارجي بمقدار 12.9 مليار دولار، ليصل إلى 155.1 مليار دولار.
ومع ذلك، هذا الانخفاض جاء من قاعدة مرتفعة، ويبدو أنه استثنائي مؤقت، لا نتيجة إدارة رشيدة.
 

الدين إلى الناتج المحلي ظل مرتفعًا
بيانات إيكومنسي تقول إن الدين الحكومي إلى الناتج المحلي بلغ نحو 90.9% في 2024 ، وهو أعلى بكثير مما ذكره كجوك (الـ85.6%).

كذلك، التصريحات الرسمية تشير إلى انخفاض متوقع من 92% إلى 82.9% في ميزانية 2025–2026 ، ما يؤكد أن النسبة الفعلية حاليا لا تعكس ما قيل، والأمر تحت إدارة دقيقة لتلميع الصورة.
 

متوسط آجال الدين المحلي… مؤشر تجميل فقط
وفق بيانات الـ IMF، فإن متوسط آجال الدين المحلي وصل إلى 1.8 عام بنهاية مايو 2025، وليس 1.6 عام كما ذكر الوزير .

هذه الفروقات الصغيرة في التوقيت تُستخدم لتركيب رواية معلنة أفضل من الواقع.
 

التركيز الإعلامي يخفي الأزمة الأكبر: تكلفة خدمة الدين تضغط على الموازنة
بحسب تقرير دايلي نيوز، فإن مدفوعات خدمة الدين الخارجي في النصف الثاني من 2024 بلغت 21.3 مليار دولار، بزيادة واضحة مقارنة بـ15.5 مليار دولار في النصف الأول من 2023.

أما الموازنة المفصلة في 2025/2026 فحددت أن خدمة الدين (داخلي وخارجي) تصل إلى نحو 87% من إجمالي إيرادات الضرائب، هذا يعني أن الغالبية العظمى من عوائد الضرائب تذهب لتسديد الفوائد، وليس لتحسين الخدمات أو الاستثمار.

وأخيرا فتصريحات وزير المالية تبدو وكأنها محاولة لتجميل المشهد المالي العام، لكنها تتأرجح أمام حقائق صارخة: الدين الخارجي لا يتراجع بشكل حقيقي، ونسبة الديون إلى الناتج تبقى ضمن نطاقات غير مستدامة، ومتوسط آجال الدين المحلي يبقى ضعيفًا.

والأسوأ من ذلك، أن ظلال الأزمة تخفيها نسب خادعة، بينما أموال الضرائب تهدر في خدمة الديون. هذا ليس نجاحًا، بل مؤشر على فشل اقتصادي في إدارة الموارد المالية.