كشفت وكالة رويترز عن اعتراف صادم يكشف حجم الأزمة الاقتصادية التي تواجهها مصر، بإعلان وزير المالية المصري أن البلاد خسرت 145 مليار جنيه من إيرادات قناة السويس خلال العام الحالي، بسبب اضطرابات البحر الأحمر وتراجع حركة التجارة العالمية بعد الهجمات المتصاعدة في المنطقة.

هذا الرقم الضخم يسلّط الضوء على اعتماد الاقتصاد المصري المفرط على القناة كمصدر رئيسي للعملة الصعبة، ويطرح تساؤلات خطيرة حول فشل الحكومة في إيجاد مشاريع بديلة تحقق الاستقرار المالي وتخفف الضغوط عن المواطنين.
 

قناة السويس.. العمود الفقري الذي انهار
قناة السويس لطالما وُصفت بأنها "شريان الحياة للاقتصاد المصري"، حيث تسهم سنويًا بنحو 8 مليارات دولار من الإيرادات. لكن الأحداث الأخيرة، ومنها الهجمات في البحر الأحمر وتوترات الملاحة، قلّصت حركة السفن بنسب كبيرة، ما انعكس بشكل مباشر على الاقتصاد المصري.

الأزمة كشفت أن الحكومة وضعت كل البيض في سلة واحدة، دون توفير بدائل اقتصادية حقيقية، رغم الوعود المتكررة بتنويع مصادر الدخل القومي.

الخبير الاقتصادي هشام إبراهيم علّق قائلًا: "الاعتماد المطلق على قناة السويس خطأ استراتيجي، لأن أي اضطراب إقليمي ينعكس فورًا على الاقتصاد المصري، ما يجعل الدولة رهينة لظروف خارجية لا تملك التحكم بها".
 

مشاريع السيسي.. استنزاف بلا عائد
بينما يعاني الاقتصاد من نزيف الإيرادات، يبرز السؤال: أين ذهبت تريليونات الجنيهات التي أنفقت على مشروعات البنية التحتية والعاصمة الإدارية الجديدة؟

الحكومة روّجت لهذه المشاريع باعتبارها محركات للنمو الاقتصادي وتوليد فرص العمل، لكن الواقع أظهر أنها التهمت موارد الدولة دون عائد ملموس على المواطن.

تقرير صندوق النقد الدولي الأخير أشار إلى أن الاستثمارات الحكومية الضخمة في مشروعات عقارية لم تحقق الإيرادات المرجوة، ولم تُسهم في جذب الاستثمارات الأجنبية كما كان مخططًا.

الناشط الاقتصادي عادل عبد الحميد انتقد هذا النهج بقوله: "كان الأولى أن تستثمر الحكومة في مشروعات إنتاجية وصناعية وزراعية لتأمين مصادر دخل مستدامة، بدلًا من إهدار الأموال على مبانٍ وأسفلت لا تعود بالنفع على المواطن".
 

ضغوط على المواطن بلا حلول بديلة
العجز في إيرادات القناة سيزيد الضغط على الموازنة العامة، وهو ما يعني مزيدًا من إجراءات التقشف، ورفع الأسعار، وزيادة الضرائب. المواطن المصري، الذي يواجه أصلًا أزمات التضخم وانهيار القوة الشرائية، سيكون الضحية الأكبر.

الحكومة في المقابل لم تقدم حتى الآن خطة واضحة لتعويض هذه الخسائر، واكتفت بتصريحات مطمئنة لا تسندها خطوات عملية.

الخبيرة الاقتصادية منى البرادعي حذرت من التداعيات قائلة: "خسائر قناة السويس ستؤثر على الاحتياطي النقدي، وقد تدفع الحكومة للاقتراض أكثر، ما يعني تراكم الديون وخدمة فوائدها على حساب الخدمات الأساسية".
 

غياب الرؤية الاستراتيجية.. اقتصاد هش أمام الأزمات
الأزمة الحالية ليست مجرد حادثة طارئة، بل هي دليل على غياب استراتيجية اقتصادية متكاملة.
فالحكومة لم تبادر بتطوير قطاع الصناعة أو الزراعة أو السياحة بالشكل الكافي، ما جعل الاقتصاد المصري هشًا أمام أي تقلبات خارجية.

الدول الكبرى تبني خططها على تنويع مصادر الدخل القومي، لكن مصر ما زالت تدور في حلقة مفرغة من المشروعات الاستهلاكية والاستدانة المفرطة.

وأخيرا فخسارة 145 مليار جنيه من إيرادات قناة السويس ليست مجرد رقم في ميزانية الدولة، بل جرس إنذار مدوٍّ يفضح فشل السياسات الحكومية في خلق اقتصاد قوي قادر على الصمود أمام الأزمات.
وبينما تستمر الحكومة في تحميل المواطن أعباء الإصلاح، يبقى السؤال الحاسم: إلى متى سيظل الاقتصاد المصري رهينة مسار واحد، بلا بدائل، في ظل إدارة لا ترى أبعد من المشروعات الدعائية؟