تواجه مصر أزمة اقتصادية متفاقمة مع تصاعد وتيرة خروج "الأموال الساخنة" من السوق، في مشهد يكشف عن فشل حكومي ذريع في إدارة الاقتصاد وتوفير بيئة جاذبة للاستثمار.

فبدلاً من إصلاح الخلل الهيكلي، اختارت السلطة الاعتماد على أموال المضاربة المؤقتة، والنتيجة: انهيار الثقة وهروب المستثمرين.
 

مخاطر الأموال الساخنة تتزايد بعد خفض الفائدة 2%
منذ سنوات، اختارت حكومة السيسي الحلول السريعة عبر جذب الأموال الساخنة، بدلاً من بناء اقتصاد إنتاجي حقيقي، واليوم، مع خفض الفائدة 2%، تبدأ هذه الأموال في الهروب بحثًا عن عوائد أعلى في الأسواق الخارجية

الدكتور علي الإدريسي، الخبير الاقتصادي، يؤكد: "خفض الفائدة في هذا التوقيت يعني دفع المستثمرين الأجانب إلى سحب استثماراتهم في أدوات الدين، ما يزيد الضغط على الاحتياطي النقدي والجنيه."

ووفق أرقام النشرة الإحصائية للبنك المركزي في يونيو 2025، بلغت حصة الأجانب في شراء أذون الخزانة ما يعادل 38.2 مليار دولار، ثم ارتفع الرقم إلى 41 مليار دولار.

 ومن هنا زادت التدفقات من النقد الأجنبي لمصر خلال الفترة الماضية، وساعد ذلك على ارتفاع قيمة احتياطي النقد الأجنبي من جهة، وكذلك تحسن سعر صرف الجنيه من جهة أخرى.

ولكن علينا أن نتذكر أن آلية الأموال الساخنة، لا يصح الاعتماد عليها في الأجلَين المتوسط والطويل، سواء في دعم استقرار سوق الصرف، أو توفير احتياجات الدولة الدولارية، فهي سريعة الهروب في وقت الأزمات، ولُدغت مصر منها مرات عدّة.

وسبق لوزير المالية السابق محمد معيط، إدلاؤه بتصريح مهم قال فيه: "لقد تعلموا الدرس ولن يعودوا للأموال الساخنة مرة أخرى" وذلك بعد التداعيات السلبية التي لحقت بالاقتصاد المصري عقب الحرب الروسية على أوكرانيا وهروب الأموال الساخنة من مصر، وسبق ذلك مرات عدّة هربت فيها الأموال الساخنة، إبّان أزمة كورونا، وكذلك عندما ارتفع سعر الفائدة في أميركا إلى أعلى من 5%.

ومن الصعب أن يبني رجال الأعمال قراراتهم على مؤشرات مصطنعة، في ما يتعلق بسعر الصرف أو احتياطي النقد الأجنبي، وإمكانية تعرضهم لمخاطر خروج الأموال الساخنة بصورة مفاجئة.
 

سياسات السيسي.. مسكنات قاتلة لا حلول
منذ سنوات، يراهن النظام على جذب الأموال الساخنة عبر أدوات الدين مرتفعة العائد لسد فجوات التمويل، متجاهلًا أن هذه الأموال تبحث عن الاستقرار، لا عن المخاطر.
الدكتور علي الإدريسي، الخبير الاقتصادي، يصف ذلك بقوله: "سياسات الحكومة قامت على فكرة سد العجز بالاستدانة قصيرة الأجل من الأموال الساخنة، وهو خطأ استراتيجي جعل مصر تحت رحمة الأسواق."

والحقيقة أن هذه السياسة كانت بإيعاز من السيسي نفسه الذي ركّز على الديون لتغطية المشروعات العملاقة غير المنتجة، بدلاً من خلق بيئة استثمارية حقيقية. النتيجة: هروب مليارات الدولارات فور أول أزمة.
 

أرقام فاضحة.. هروب بلا عودة
التقارير الاقتصادية تكشف خروج أكثر من 22 مليار دولار من السوق خلال الأزمات الأخيرة، مع استمرار نزيف الاستثمارات في الأشهر الماضية.
ممدوح الولي، الخبير الاقتصادي، يوضح: "هروب الأموال الساخنة ليس مفاجئًا، بل نتيجة طبيعية لفشل إدارة السيسي، الذي لم يوفر أي ضمانات للاستقرار النقدي أو القضائي، واعتمد على الأمن والجباية بدلاً من الحوافز."
 

المستثمرون يفرّون من جمهورية القمع الاقتصادي
البيئة الاستثمارية الحالية أصبحت طاردة بامتياز: غياب الشفافية، تضخم البيروقراطية، تدخل المؤسسة العسكرية في كل قطاع.
هشام إبراهيم، أستاذ التمويل، يقول: "أي مستثمر يبحث عن دولة فيها استقرار مؤسسي، لكن في مصر القرار الاقتصادي في يد السلطة العسكرية، وهذا كافٍ لإبعاد أي أموال تبحث عن الأمان."

هذه العقلية الأمنية التي يفرضها السيسي تقتل أي فرصة للنمو، وتحوّل الاستثمار في مصر إلى مغامرة خطرة.
 

المواطن الضحية الأولى لفشل السيسي
هروب الأموال الساخنة يضغط على الجنيه، فيرتفع الدولار، وتشتعل أسعار الغذاء والدواء، بينما الحكومة تتفرج.
الخبير الاقتصادي هاني توفيق يعلق: "كل خروج للأموال يعني انهيار جديد للجنيه، والمواطن هو الذي يدفع الثمن، بينما السلطة تبرر وتبحث عن قروض جديدة."

هذا الفشل يضاعف الأعباء على الفقراء، الذين لا يرون من السيسي سوى وعود جوفاء ومشروعات وهمية لم توفر لهم حياة كريمة.
 

خلاصة: السيسي يقود مصر إلى المجهول
ما يحدث اليوم هو نتيجة مباشرة لنهج السيسي القائم على الديون، والمشروعات غير المنتجة، والسيطرة الأمنية على الاقتصاد.
بدلاً من بناء اقتصاد حقيقي قائم على الصناعة والتصدير، حوّل الدولة إلى رهينة للقروض، وجعل المصريين في مواجهة تضخم، انهيار عملة، وفقدان الأمل في الاستقرار.

إذا لم يتم تغيير هذا النهج جذريًا، فإن موجات خروج الأموال الساخنة لن تكون الأزمة الأخيرة، بل ستكون بداية لانهيار أعمق يضرب الاقتصاد والمجتمع في آن واحد.

كما أن خفض الفائدة خطوة خطيرة في توقيت قاتل، تكشف أن الحكومة لا تملك خطة سوى القروض ومسكنات الأموال الساخنة.
هذه السياسات التي يصر عليها السيسي ستؤدي إلى كارثة اقتصادية يدفع ثمنها الشعب، بينما تواصل السلطة الترويج لإنجازات وهمية ومشروعات استعراضية بلا عائد حقيقي.

إذا استمر هذا النهج، فإن موجة الهروب الحالية قد تتحول إلى انهيار شامل يهدد استقرار البلاد اقتصاديًا واجتماعيًا.