في خطوة مفاجئة، قررت لجنة السياسة النقدية بالبنك المركزي المصري، أمس الخميس، خفض أسعار الفائدة بواقع 200 نقطة أساس، ليصل سعر عائد الإيداع إلى 22%، والإقراض إلى 23%، وسعر العملية الرئيسية إلى 22.5%، كما تم خفض سعر الائتمان والخصم إلى 22.5%.
ورغم أن القرار يبدو في ظاهره تيسيرًا نقديًا، إلا أن خبراء ومراقبين حذّروا من تداعياته الاجتماعية، خصوصًا على الفئات الأكثر هشاشة.
 

خفض لا يرحم المدخرين
يقول الخبير الاقتصادي الدكتور أحمد عابدين إن القرار "يضرب في الصميم" من يعتمدون على العائدات الشهرية لتأمين الحد الأدنى من المعيشة، مثل المتقاعدين وأصحاب الدخول المحدودة.
ويضيف: "الناس الذين يدخرون لتحمّل أسوأ أيامهم... خفض الفائدة يعني حرمانهم من قوت أسبوع أو حتى يوم".

ويرى مراقبون أن الدعم المالي الذي كان يُفترض أن يعوّض هذه الفئات غالبًا لا يصل بفعالية، ما يجعل أثر القرار أكثر إيلامًا.
ففي وقت تتقلص فيه الأدوات المعيشية المتاحة أمام الفقراء، يأتي الخفض كعبء جديد على كاهل من لا يملكون رفاهية الادخار أصلاً.

أثر مباشر على الغالبية

الباحث الاجتماعي الدكتور ياسر الحوطي يصف الفائدة بـ"ذهب الأمان" بالنسبة للفقراء، ويؤكد أن خفضها "يُخنق الفقراء، ويجعلهم أكثر خوفًا من المجازفة بأي خطوة مالية".

ويؤكد أن الفئات الأكثر تضررًا من القرار هي الغالبية من المصريين الذين يعيشون تحت خط الفقر، ويعتمدون على دخل يومي محدود بالكاد يغطي احتياجاتهم الأساسية من الغذاء والدواء، في ظل إنفاق استهلاكي لا يقبل التأجيل.
 

تضخم مرتفع... وسياسة مرتعشة
رغم المؤشرات الرسمية بانخفاض التضخم إلى 13.9% في يوليو الماضي، إلا أن تقارير أخرى تشير إلى أنه تجاوز 24% فعليًا، وهو ما يزيد من تعقيد المشهد الاقتصادي.
في هذا السياق، يُعد خفض الفائدة خطوة محفوفة بالمخاطر، خصوصًا مع الارتفاع الكبير في الضرائب وتآكل القدرة الشرائية للأسر.

الخبير الاقتصادي الدكتور ناصر سعيدي يرى أن القرار "ليس تيسيرًا بقدر ما هو تهديد للتماسك الاجتماعي"، مشيرًا إلى أن "الطبقات غير المهيأة اقتصاديًا تُسحب منها القليل مما تبقى لها".
 

لا قروض للفقراء... ولا ادخار
المنطق الاقتصادي يفترض أن خفض الفائدة يُشجع على الاقتراض، لكن الواقع المصري يروي قصة أخرى.
الأغلبية الساحقة من الفقراء لا يحصلون أصلًا على قروض رسمية بفائدة منخفضة، بل يضطرون إلى اللجوء للسوق الموازية، حيث الشروط قاسية والفوائد مرتفعة.

الدكتور سامح شكري يوضح: "السياسة الحالية لا تؤثر على الرأسماليين الذين يحصلون على القروض بشروط تفضيلية، بل تترك الفقراء محاصرين في السوق الموازية الغارقة بالفوائد".
 

غياب العدالة الاجتماعية
القرار الأخير أعاد إلى الواجهة تساؤلات قديمة حول غياب العدالة الاجتماعية في السياسات الاقتصادية المصرية.
ففي دول أخرى، يُقابل خفض الفائدة بإجراءات تعويضية، مثل رفع المعاشات أو تقديم دعم مباشر للفئات الضعيفة. أما في مصر، فلا مؤشرات على وجود تلك الإجراءات.

الدكتورة منال شمس الدين تعلّق بمرارة: "خفض الفائدة قد يكون جيدًا للكتّاب والخبراء الماليين، لكنه كارثي للناس الذين يعيشون بالأجرة اليومية؛ الحكومة تركتهم في الضجيج، ولا تعترف بهم".
 

الفقراء خارج الحسابات
في النهاية، لا يبدو خفض الفائدة إلا قرارًا يصبّ في مصلحة النخب الاقتصادية التي تملك القدرة على استغلال القروض، بينما يُقصى الفقراء من المعادلة تمامًا.
وبحسب مراقبين، فإن القرار جاء في لحظة كانت تتطلب إعادة صياغة شبكة الحماية الاجتماعية، لا تجريدها من أدوات البقاء.

الخلاصة أن خفض الفائدة – وإن بدا خطوة تقنية – هو قرار سياسي في جوهره، اختار حماية مصلحة فئة صغيرة على حساب الأغلبية، في وقت بات فيه الضغط الشعبي والسياسي ضرورة لتصحيح المسار، قبل أن تتعمق الأزمة أكثر.