أطلق وزير الخارجية الأيرلندي، سايمون هاريس، تصريحًا مدويًا أثار زوبعة داخل الاتحاد الأوروبي، إذ أعلن أن الزمن الذي كان فيه مجرد التنديد كافيًا قد انتهى، وأنه آن الأوان لأن تتحول الكلمات إلى أفعال ملموسة، ملمّحًا إلى أن الاتحاد منح إسرائيل فرصًا عدة لكنها لم تستجب.
تصريح لا يُحسب في خانة الدبلوماسية المعتادة، بل يأتي في لحظة مفصلية تلوّح بفقدان الصبر الأوروبي تجاه تصاعد الأزمة الإنسانية في غزة.
 

أولويات الإنسانية فوق التكتيك السياسي
يشكو هاريس من أن الاتحاد الأوروبي اكتفى بالبيانات الخجولة، وهو ما يؤكد أنه لم يعد مقبولًا التذرع بالسياسة الخارجية الموحدة بينما المدنيون يدفعون الثمن.
يقول الخبير في الشؤون الأوروبية، د. إميل كرافت: "هذه التصريحات تكشف عن استياء متزايد داخل مؤسسات الاتحاد الأوروبي، الذي بات مهدّدًا بفقدان شرعيته طالما يتقاعس عن التحول إلى خطوات جادة."
 

مظلة الحقوق تنهار... والأفعال تتأخر
السياق يتضح أكثر حين نعلم بأن هاريس دعا مسبقًا إلى مراجعة اتفاقية الشراكة بين الاتحاد الأوروبي وإسرائيل، بل وطالب بتعليقها، معتبرًا أن التواطؤ في استمرار إراقة الدماء يجعل هذه الاتفاقية غير قابلة للتطبيق أخلاقيًا.
وتضيف الخبير الدولي د. ليلى الطاهر: "إيرلندا بلعت حين نددت في الأشهر الماضية، والآن تقولها بصوت عالٍ: ‘لم يعد التنديد كافيًا’—إنها تطالب بعمل يُرقى إلى مستوى تطلعات الشعوب."
 

مسار منطقي نحو عقوبات حقيقية؟
في خطوة إضافية لم تقتصر على الكلام، طلب هاريس من الاتحاد الأوروبي أن يقدم "خيارات ملموسة" في اجتماع وزراء الخارجية المقبل، بما في ذلك تعليق اتفاقية الشراكة إن بقيت الانتهاكات مستمرة.
ويرى الخبير القانوني د. يوسف جمعة أن: "هذا توجه يشير نحو تحول فعلي من مجرد التنديد إلى إجراءات عقابية، وهو ما قد يمهّد لتجميد أو تعليق الإجراءات الاقتصادية والسياسية مع إسرائيل."
 

الإرهاق الأخلاقي يتصاعد داخل أوروبا
تصريح هاريس ليس حالة منعزلة داخل الساحة الأوروبية.
فتصعيد ردود الفعل السياسية، كما عبر عنه نائب رئيس الوزراء الأيرلندي سابقًا، والرئيس السابق للبلاد، بات علامة على أن الإحساس بالمسؤولية الأخلاقية بدأ يتغلّب على مصالح الواقعية السياسية.

وترى الباحثة د. سنتيا مولل أن: "إيرلندا الآن تمثل أحد الأصوات الأكثر وضوحًا في العالم الغربي، الذي يسعى للرد على البشاعة الإسرائيلية بموقف اتحادي واضح لا يحتمل التردد."
 

خلاصة حاسمة: الوقت للمواقف... وليس لأوراق التنديد
تصريح سايمون هاريس لن يكون مجرد صدى في الصحافة الأوروبية، بل هو صرخة إنسانية ودعوة لتحوّل جذري في مسار السياسة الأوروبية تجاه غزة.
فبعد أشهر من تكرار العبارات الدبلوماسية دون نتيجة، بات لا بد للاتحاد أن يثبت قدرته على التحرك واقعيًا.
حان الوقت لإنقاذ ما يمكن إنقاذه، وإلا فإن استمرار السكوت سيُسجل في سجل المسؤولية التاريخية.