بعد أكثر من أربع سنوات من توقف مصانع مجمع الحديد والصلب في حلوان وتفكيك أدوات الإنتاج وبيعها، أعلنت وزارة الصناعة قبل أسبوع دراستها لإعادة تشغيل وحدات المجمع، وأكدت لاحقًا وقف أعمال الهدم بعد عرض القرار على الرئيس. الإعلان أثار موجة واسعة من التساؤلات حول جدوى هذه الخطوة، خاصة في ظل أوضاع اقتصادية متدهورة وتاريخ طويل من الفساد الذي صاحب تصفية المجمع.
خلفية عن التصفية
قرار التصفية صدر في 2021 من الجمعية العامة لشركة الحديد والصلب تحت ضغوط حكومية بدعوى الخسائر والديون، بعد أكثر من 65 عامًا على إنشائه بمساهمة شعبية ليكون أول وأكبر شركة قادرة على معالجة خام الحديد محليًا. تأسست الشركة برأسمال 21 مليون جنيه على مساحة 2500 فدان، وظلت رابحة حتى 2009، لكن الإهمال في تحديث المعدات وخفض دعم الطاقة أدى لزيادة التكاليف والخسائر التي بلغت 8.5 مليار جنيه، مع مديونيات بنفس الرقم، معظمها لجهات حكومية.
رغم هذه التحديات، ما زال كثيرون يعتبرون التصفية قرارًا كارثيًا أدى لتسريح آلاف العمال وحرمان السوق المصري من مشروع استراتيجي كان يمكن تطويره بدلًا من بيعه بأثمان بخسة.
الفساد في التصفية
تقرير الجهاز المركزي للمحاسبات كشف عن مخالفات جسيمة في بيع الأصول، أبرزها البيع بالأمر المباشر لشركات تابعة لجهات سيادية بأسعار أقل من التقييمات الحقيقية، على سبيل المثال، بيع أفران ومعدات بقيمة 1.534 مليار جنيه رغم أن أعلى تقييم بلغ 3.615 مليار، ما يعني خسارة تفوق مليار جنيه.
كما تم بيع خامات زهر وأتربة لشركة مملوكة للقوات المسلحة بقيمة 252 مليون جنيه دون مزاد علني، مع مخالفة شروط العقود وعدم توقيع الجزاءات المقررة. هذه الوقائع أثارت شكوكًا حول نية الحكومة في إعادة المجمع بدلاً من استمرار استغلال أصوله لصالح جهات بعينها.
هل إعادة التشغيل مجدية؟
الدكتور مدحت نافع، الخبير الاقتصادي والرئيس السابق للشركة القابضة للصناعات المعدنية، يرى أن إعادة تشغيل المجمع ممكنة إذا توافرت خطة واضحة لتحديث التكنولوجيا وخفض استهلاك الطاقة، قائلاً: "إعادة التشغيل دون ضخ استثمارات ضخمة للتطوير سيؤدي إلى استمرار النزيف. تكلفة إعادة الإحياء قد تتجاوز مليارات الجنيهات، لكن إذا تم إدارتها باحترافية فستعود بالنفع الكبير على الاقتصاد المحلي وتقلل الاعتماد على الواردات."
أما الخبير الصناعي محمود سلامة، رئيس إحدى شركات الاستيراد والتصدير في مجال الحديد، فيؤكد أن السوق المصري يعاني فجوة كبيرة بين الإنتاج والاستهلاك:"لدينا عجز سنوي يصل إلى 2.5 مليون طن من الحديد، ومع ارتفاع الأسعار عالميًا وزيادة رسوم الاستيراد، وجود مجمع مثل حلوان يمكن أن يغطي جزءًا كبيرًا من الاحتياج المحلي."
في المقابل، حذر الخبير الاقتصادي هشام إبراهيم من التحديات التمويلية والإدارية:"لا يمكن إنعاش المجمع بنفس العقلية التي أدارت عملية التصفية. إذا استمرت سيطرة الجهات السيادية وغياب الرقابة، سنكرر نفس الأخطاء ونضيف خسائر جديدة."
البعد الاقتصادي والسياسي
الإعلان عن إعادة تشغيل المجمع يأتي في وقت تواجه فيه الحكومة انتقادات لاذعة بشأن تدهور الصناعة وزيادة الاعتماد على الاستيراد. يرى محللون أن الخطوة قد تكون سياسية بالأساس لامتصاص غضب الشارع وتقديم صورة عن اهتمام الدولة بالصناعة الوطنية، خصوصًا في ظل أزمة اقتصادية حادة.
ما الحل؟
الخبراء يجمعون على أن نجاح إعادة التشغيل يتطلب:
وضع خطة تحديث شاملة بتمويل مستدام.
إدارة مستقلة بعيدًا عن الهيمنة العسكرية.
تحقيق الشفافية في مراجعة صفقات التصفية ومحاسبة الفاسدين.
في النهاية، يبقى السؤال: هل ستتحول وعود إعادة تشغيل المجمع إلى واقع يعيد الأمل لآلاف العمال ويدعم الاقتصاد الوطني، أم ستكون مجرد محاولة لتهدئة الرأي العام دون خطوات حقيقية؟