في خطوة جديدة تكشف عمق الأزمة الاقتصادية وسوء إدارة النظام، أصدر قائد الانقلاب عبد الفتاح السيسي، قائد الانقلاب، قرارًا جمهوريًا بالموافقة على اتفاقيتين جديدتين للاقتراض من الوكالة الفرنسية للتنمية والاتحاد الأوروبي بقيمة تصل إلى 73 مليون يورو، تحت ذريعة تمويل مشروعات في مجالات مختلفة.
هذه القروض ليست الأولى، ولن تكون الأخيرة، في مسلسل الاقتراض الذي أغرق البلاد في بحر من الديون، دون أي انعكاس حقيقي على حياة المواطنين، بل زاد معها الفقر والبطالة وتدهورت الخدمات.
الديون تتضاعف.. والنتيجة صفر
منذ استيلائه على السلطة، رفع السيسي شعار “التنمية بالمشروعات العملاقة”، لكن الواقع يكشف أن هذه المشروعات تموّل بالكامل بالقروض. تقرير البنك المركزي المصري أظهر أن إجمالي الدين الخارجي لمصر تجاوز 168 مليار دولار بنهاية 2024، مقارنة بـ46 مليار دولار فقط عام 2014، ما يعني تضاعفه أكثر من 3 مرات خلال عشر سنوات.
المفارقة الصادمة أن كل هذه القروض لم تمنع انهيار الجنيه، ولا وقف موجات التضخم، ولا حل أزمة البطالة أو الفقر التي تضرب أكثر من 60% من المصريين بحسب تقديرات دولية.
مشروعات استهلاكية بلا عائد
يروج النظام لفكرة أن هذه القروض ستستخدم في “مشروعات تنموية”، لكن خبراء الاقتصاد يحذرون من أن معظم هذه المشروعات ذات طابع استهلاكي، لا توفر أي قيمة مضافة حقيقية للاقتصاد.
يقول الخبير الاقتصادي الدكتور محمود العشماوي: “ما يفعله السيسي هو شراء الوقت بالقروض، وليست هناك خطة إنتاجية تستوعب هذه الأموال. كل ما نراه من طرق وجسور وأبراج لا يضيف دولارًا واحدًا للاقتصاد، بل يستنزف موارد البلاد في خدمة الدين.”
الواقع يؤكد كلامه؛ إذ تلتهم أقساط وفوائد الديون أكثر من نصف الموازنة العامة، بينما يخصص التعليم والصحة معًا أقل من 10% فقط.
أعباء كارثية على المواطن
هذه القروض لا تسددها الحكومة من جيبها، بل يسددها الشعب من دم قلبه عبر الضرائب غير المباشرة، ورفع أسعار الوقود، وزيادة فواتير الكهرباء والمياه، وتخفيض الدعم عن السلع الأساسية.
الخبير الاقتصادي إبراهيم سعد يحذر من خطورة الاعتماد المفرط على الاقتراض، قائلاً: “نحن أمام حلقة مفرغة: نقترض لسداد أقساط الديون القديمة، ثم نقترض مرة أخرى لسداد الجديدة. هذه سياسة إفلاس معلنة، ستؤدي حتمًا إلى انفجار اقتصادي واجتماعي في المدى القريب.”
لماذا يصر السيسي على القروض؟
يرى مراقبون أن النظام الحالي يستخدم القروض لتمويل مشروعات استعراضية، مثل العاصمة الإدارية، والقطار الكهربائي، والأبراج الشاهقة، التي تخدم نخبة ضيقة من المستثمرين وتلمع صورة النظام أمام داعميه في الخارج، بينما الغالبية العظمى من الشعب تغرق في الفقر.
الدكتور علي عبد الخالق، أستاذ الاقتصاد السياسي، يصف الأمر بأنه “نهج لتمكين رأس المال الأجنبي على حساب السيادة الوطنية”، مشيرًا إلى أن شروط هذه القروض غالبًا ما تمنح المقرضين نفوذًا سياسيًا واقتصاديًا متزايدًا داخل مصر.
كارثة الأجيال المقبلة
الأخطر في هذه السياسة هو ما يراه الخبراء “بيع مستقبل الأجيال القادمة”، حيث تتحمل أجيال لم تولد بعد أعباء ديون لم تستفد منها مطلقًا. وتقرير البنك الدولي يحذر من أن مصر أصبحت ضمن الدول الأكثر عرضة لمخاطر العجز عن السداد في المنطقة.
في هذا السياق، يتساءل الشارع: إذا كانت هذه القروض بالفعل “للتنمية”، فأين نتائجها على المعيشة؟ لماذا لا تزال المستشفيات متهالكة، والمدارس بلا مقاعد، والأسعار تحرق جيوب المواطنين؟
وأخيرا فإن قرار السيسي بالموافقة على قروض جديدة ليس سوى حلقة إضافية في سلسلة طويلة من السياسات الاقتصادية الفاشلة، التي جعلت من مصر رهينة لديون خارجية، وأفقدت الدولة أي قدرة على التخطيط المستقل. في المقابل، يزداد المواطن سحقًا تحت وطأة الضرائب وغلاء المعيشة، بينما تستنزف المليارات في مشروعات لا تخدم سوى واجهة النظام أمام داعميه.
السؤال الذي يطرحه الخبراء اليوم: إلى متى تستمر مصر في هذا الطريق المظلم، قبل أن تدفع الثمن الأكبر من أمنها واستقرارها؟