في الوقت الذي تتباهى فيه الحكومة بالمشروعات القومية العملاقة وتعلن أرقامًا خيالية عن معدلات التنمية، يئن ملايين المصريين تحت وطأة الغلاء الذي التهم قوت يومهم، ليمتد الآن إلى مستقبل أبنائهم.

ارتفعت أسعار الأدوات المدرسية بشكل غير مسبوق مع اقتراب العام الدراسي الجديد، لتتحول فرحة العودة إلى المدارس إلى كابوس اقتصادي للأسر محدودة ومتوسطة الدخل، التي تُركت وحدها في مواجهة جشع التجار وفشل الرقابة الحكومية.

بينما تواصل الحكومة إطلاق الوعود الزائفة عن ضبط الأسواق، تتلاشى قدرة المواطن على تأمين أساسيات تعليم أطفاله، في مشهد يكشف عجز السياسات الاقتصادية عن حماية الفقراء من غول الأسعار.

 

الأسعار تشتعل.. والرقابة غائبة

شهدت الأسواق المصرية قفزات جنونية في أسعار الأدوات المدرسية، حيث ارتفعت الدفاتر والكراسات بنسبة تجاوزت 40% مقارنة بالعام الماضي، فيما تضاعفت أسعار الحقائب لتصل إلى ما بين 400 و1500 جنيه حسب الجودة.

الأقلام والألوان لم تسلم هي الأخرى من موجة الغلاء، إذ وصل سعر القلم الرصاص إلى 3 جنيهات بعدما كان بجنيه واحد، وسعر علبة الألوان إلى أكثر من 50 جنيهًا.

تجار الجملة يرجعون السبب إلى ارتفاع تكلفة الورق المستورد وزيادة أسعار النقل، فضلًا عن تقلبات سعر الدولار.

يقول أحمد جاد، تاجر أدوات مدرسية، إن "السوق أصبح بلا ضابط، فكل يوم هناك زيادات جديدة بسبب الرسوم الجمركية وسعر العملة".

وفي المقابل، تكتفي الحكومة ببيانات إنشائية عن الحملات الرقابية، بينما يعاني المواطن من واقع مغاير تمامًا.

 

إحصائيات أسعار الأدوات المدرسية في مصر بالسنوات الأخيرة

عام 2023

أسعار الأدوات المدرسية ارتفعت بنسبة تتراوح بين 50% و100٪ على أساس سنوي، خاصة للسلع المستوردة، بسبب ارتفاع سعر الدولار وتكاليف الاستيراد.

بيانات من المصري اليوم تدعم هذه الأرقام، حيث نوّهت إلى زيادة تصل إلى 50٪ في أسعار الأقلام والكراسات، مع إشارات إلى توقعات أن تصل الزيادات إلى 75٪ في المستقبل  وذلك خلال عام 2023

عام 2024

وفق شعبة الأدوات المكتبية، شهد سوق الأدوات المدرسية ارتفاعًا بنسبة 30% إلى 45٪ مقارنة بالعام السابق، نتيجة لضغط الدولار على المستلزمات المستوردة.

 

أولياء الأمور في مأزق: التعليم أصبح رفاهية

تحولت رحلة شراء المستلزمات المدرسية إلى معاناة يومية لأولياء الأمور، الذين وجدوا أنفسهم أمام أسعار لا ترحم.

تقول أم محمد، ربة منزل وأم لثلاثة أبناء: "زمان كنا بنجهز العيال بمبلغ معقول، دلوقتي شنطة العيال بتكلف مرتب الشهر".

ويؤكد مصطفى عبد الحميد، موظف حكومي، أن التعليم أصبح عبئًا ثقيلًا: "إحنا مش قادرين نجيب حاجات أساسية، فكرونا إن التعليم بقى للناس القادرة بس".

هذا الوضع أجبر بعض الأسر على اللجوء للأسواق الشعبية والمنتجات المستعملة، بينما يكتفي آخرون بشراء الحد الأدنى من الأدوات.

ومع غياب أي تدخل حكومي حقيقي لضبط الأسعار أو دعم الأسر، تتعمق الفجوة بين الشعارات الرسمية والواقع المؤلم.

 

خبراء الاقتصاد: السياسات الحكومية وراء الأزمة

يرى خبراء الاقتصاد أن الأزمة الحالية ليست وليدة اللحظة، بل نتيجة مباشرة لغياب استراتيجية واضحة لمواجهة التضخم.

الخبير الاقتصادي عبد الخالق فاروق يؤكد أن "الحكومة رفعت الدعم وتركت السوق للمضاربة، فانعكس ذلك على كل السلع بما فيها المستلزمات التعليمية".

ويضيف أن ارتفاع الدولار والجمارك أدى إلى زيادة أسعار الورق والمنتجات المستوردة، دون وجود بدائل محلية حقيقية.

من جانبه، يشدد الخبير الاقتصادي مدحت نافع على أن "الأزمة مرشحة للتفاقم ما لم يتم وضع خطة عاجلة لتوفير مستلزمات التعليم بأسعار مدعومة، أو تقديم دعم نقدي للأسر الفقيرة".

 

التجار يستفيدون.. والحكومة تلتزم الصمت

بينما يصرخ المواطن من الغلاء، يحقق بعض التجار أرباحًا قياسية مستغلين حالة الفوضى في السوق.

يقول محمد علي، صاحب مكتبة كبرى: "الأسعار نار علينا وعليكم، بس إحنا كمان لازم نكسب علشان نغطي التكاليف".

لكن خبراء يؤكدون أن جزءًا كبيرًا من الأزمة سببه جشع بعض التجار وعدم وجود تسعيرة جبرية أو رقابة فعالة.

ومع استمرار تجاهل الحكومة للأزمة والاكتفاء بتصريحات لا تسمن ولا تغني، يظل المواطن المصري وحيدًا في مواجهة موسم دراسي يلتهم ميزانيته، في وقت يُفترض أن يكون فيه التعليم أولوية وطنية لا عبئًا اقتصاديًا يسحق أحلام الفقراء.