لُقّبت القاهرة مؤخرًا بـ"عاصمة الأثرياء في شمال إفريقيا"، في وقت تتكشف فيه أزمات اجتماعية واقتصادية تهدد ملايين المواطنين.
ففيما يعكس بريق ناطحات السحاب والفيلات الفاخرة ثراء قلة، تتضاءل فرص الملايين في الحياة الكريمة.
هذا التناقض ليس وليد اليوم، بل هو نتيجة تراكمات اقتصادية وسياسية، تتطلب إعادة قراءة عاجلة لدور الدولة في ضمان العدالة الاجتماعية.
أرقام الأثرياء في مصر: منافسة قوية ضمن أفريقيا
وفق تقرير ثروة إفريقيا 2024 من شركة Henley & Partners، تحتل مصر المركز الثاني قارياً بعد جنوب إفريقيا، بعدد 15,600 مليونير (أصحاب ثروة مليار جنيه أو أكثر)، و52 مليونيراً من نوع "سنتي-مليونير" (أكثر من 100 مليون دولار)، و7 مليارديرات .
أما على مستوى العاصمة، فتُعد القاهرة الثالثة أفريقيا من حيث عدد أصحاب الثروات العالية بواقع 7200 مليونير، 30 سنتي-مليونير، و4 مليارديرات، من أبرزهم ناصف ساويرس (حوالى 8.8 مليار دولار)، نجيب ساويرس، ومحمد المنصور (بنسب متفاوتة من الثراء) .
فوارق هائلة: من ارتفاع الأثرياء إلى ازدياد الفقراء
في المقابل، تؤكد بيانات رسمية وغير رسمية على اتساع رقعة الفقر: وفقا لصندوق النقد والمصادر الرسمية، نحو 60٪ من السكان يعيشون تحت أو حول خط الفقر.
كما تشير تقديرات إلى أن نسبة الفقراء بلغت حوالي 35.7٪ في 2023 مقابل 30٪ في 2020.
ومع ذلك، تعكس بيانات متعددة الأبعاد أن الفقر الحقيقي يمتد إلى 21٪ من السكان مصنفين كفقراء متعددين الأبعاد (نقص في التعليم، الصحة، الخدمات، وغيرها) .
الاقتصاد الوطني: ثراء القلة وقهر الأغلبية
الفجوة بين الطرفين تزداد توسعاً بسبب عوامل مؤسساتية.
من جهة، استفاد الأثرياء من نزيف الاستثمارات والإصلاحات، في حين تراجعت القدرة الشرائية لأغلبية الشعب عقب تآكل قيمة الجنيه، وتفاقم التضخم الذي وصل إلى مستويات قياسية (>36٪)، ومنذ 2010، ارتفع معدل الفقر الوطني من حوالي 19٪ إلى ما يقارب 30٪ في 2021.
الخبير الاقتصادي أحمد يوسف يرى أن بطء نشر البيانات عن الفقر يكشف عن خوف سياسي من الغضب الشعبي، ويؤكد أن "التجاهل الرسمي لأرقام الفقر الفعلي يؤكد أن الأزمة أكبر من الظاهر".
مجتمع على مفترق طرق: بين السخط والعيش ومستقبل العدالة
ما بين أرقى أحياء القاهرة وفقراء الريف، تكمن معاناة الوطن في عدم توازن توزيع الثروة. كما تشير تقارير عن الفقر في الريف—خاصة في الصعيد—إلى أن فقر المناطق الريفية يتجاوز النسبة الوطنية، ويصل إلى 40–43٪ في بعض الأحيان، مقارنة بنحو 12٪ في الحضر ، هذه الاختلافات الجغرافية والاجتماعية تعكس إخفاقات في السياسات التنموية.
خبراء في مجال التنمية يشيرون إلى أن استمرار هذا التفاوت سيخنق الاستقرار الاجتماعي، وينذر بثورات اشتقاقية من الاحتقان الطبقي.
ثروات مضاعفة، لكن عدالة مفقودة
تركيز الثروة في أيدي قلة من المصريين وتنامي أعداد الفقراء يُظهر نزوة غير مرتبة: ثراء لا يبدو أنه يصب في صالح التنمية الشاملة.
تُظهر الأرضية الراهنة بوضوح أن برامج مثل "حياة كريمة" ليست كافية إذا لم يصاحبها إقرار فعلي بالعدالة وتوزيع الفرص.
إن كان هذا الثراء يعكس وجه مصر، فالفقر المحاصر في الأرياف والأسواق الشعبية يمثل جزءًا أكبر من الهوية الوطنية.
المطلوب الآن هو إرادة سياسية حاسمة: تطبيق إصلاحات ضريبية عادلة، شمول الرعاية بتغطيتها، إعمار مشروعات تنموية تنهي أزمات التعليم والصحة، وتفعيل مؤسسات قوية تأخذ بيد الغالبية، لا فقط لوحة "الثروة".