معن البياري
رئيس تحرير صحيفة العربي الجديد
ازدحمت الأيام القليلة الماضية بأنباء من مصر تُشيع سويداء في النفس، تتعلّق بحقوق مواطنين ولاجئين، في تعامل شديد الفظاظة معهم، يُزهق أرواحهم أحيانًا، أو يُهين كراماتهم، أو يُقلق ذويهم. والواضح أن أوضاع حقوق الإنسان في مصر لا يُراد لها أن تغادر سوءَها البالغ، وأن الخطاب الرسمي عن الأخذ بمعايير القانون بصدِدها لا يتّسق مع ما هو ظاهر.
ولئلا يُنتقَد هذا الكلام بانعدام مصداقيةٍ أو نقصانها، فإنه يصطفي تلك الأنباء، ذات الكثافة العالية في كآبتها، من مظانّ موثّقةٍ موثوقة، مصريةٍ خالصة. وهذه الشبكة المصرية لحقوق الإنسان تُذكّر، الأسبوع الماضي، في الذكرى الثانية عشرة لقتل أزيد من ألف مصريٍّ في ميداني رابعة العدوية والنهضة، في أثناء فضٍّ دمويٍّ لاعتصامهم، بأن مصائر 24 من أولئك ما زالت مجهولة، وتسمّي هذا "اختفاءً قسريًا". وبالطبع، ليست القضية أن الضحايا والناجين كانوا من أنصار الرئيس الراحل محمد مرسي، عقب الانقلاب العسكري (أو البوليسي على الأصحّ)، بل إن سرديةً شفّافةً متكاملةً بشأن الواقعة المهولة، والتي تظلّ الدولة المصرية المسؤولة الأولى والأخيرة عنها، لم تصدُر بعد.
قد يرى واحدُنا أن موت المصريين المحتجزين الأربعة الشهر الماضي (يوليو) أقلَّ ثقلًا على النفس من المصائر المجهولة لأولئك المصريين منذ أكثر من عقد. وقد وثّق مركز الشهاب لحقوق الإنسان ما جرى للمعتقلين، عبد الباسط إسماعيل، الذي قضى في مركز احتجازه، بعد تأخّر تدخّلٍ علاجيٍّ له، ورضا علي منصور، الذي توفي في سيارة ترحيلاتٍ كانت تنقله إلى المستشفى "بعد استغاثاتٍ من دون استجابة"، ومحمّد سالم غنيم، الذي صعدت روحُه إلى دار الحقّ في أثناء "ظروف احتجازٍ مأساوية"، وفريد شلبي الذي توفي في مقرٍّ للأمن الوطني بعد "أسابيع من الاختفاء القسري والتعذيب".
والعهدة على الراوي بشأن هذه الوقائع، كما هي على عهدة "الشبكة المصرية ..."، في بيانٍ لها قبل أيام، أن طبيب الأطفال، عاطف محمود زغلول، توفي في مركز احتجازه في مركز شرطة، "عقب تدهور حالته الصحية بشكل حادّ نتيجة تأخّر حصوله على الرعاية الطبّية اللازمة". وإلى الرَّوع الذي تُحدثُه أنباءٌ من هذا اللون، لا يقلّ روْعًا ما أشهرته الشبكة مطالع الشهر الجاري، تلقّيها "استغاثاتٍ عاجلةً" من أسر سجناء في سجنٍ شديد الحراسة، "تفيد بصدور تعليماتٍ مباشرةٍ من مأمور السجن ورئيس المباحث بمنع دخول الأدوية إلى المعتقلين والسجناء الجنائيين، بما في ذلك أدوية الأمراض المزمنة، من دون توفير بدائل علاجية".
وتقول الشبكة إنها تلقّت أيضًا شكاوى من نساءٍ وفتياتٍ زائراتٍ للسجن، أفدنَ فيها بتعرّضهن لعمليات تفتيشٍ تنطوي على سلوكيات تحرّشٍ لفظيٍّ وجسديٍّ في أثناء الزيارات، إلى جانب إهاناتٍ وسُبابٍ لهن وللسجناء. وتتعاظم أسباب السخط لمّا تقرأ أن معتقلين مرضى وكبارًا في السجن في "أبو زعبل" أرسلوا إلى "الشبكة" أنهم يتعرّضون "لأحد أشدّ أشكال التعذيب، والمتمثّل بالإهمال الطبّي المتعمّد ومحاولة تحويل حياتهم إلى معاناةٍ دائمة، بما يؤدّي إلى انتكاساتٍ صحيةٍ خطيرةٍ قد تُفضي إلى الوفاة". ويستفظع واحدُنا ما أعلنته الشبكة نفسها، أخيرًا، عن طلب معتقلين سياسيين "عدم إخلاء سبيلهم أمام القضاة"، لعلمهم أن قرار إخلاء السبيل سيلتفّ الأمن الوطني عليه ويتحايل في تنفيذه، حيث يُخفَون فترات، ثم يُرحَّلون من قسمٍ إلى آخر ومن مقرّ أمنٍ وطنيٍّ إلى آخر، "قبل أن يُعاد تدويرُهم على ذمّة قضيةٍ جديدةٍ بالتهم نفسها".
لا يُؤتى هنا على كل ما احتشد في الشهر الجاري (لم يكتمل بعد) في الشأن الحقوقي المصري. ولكن، يحسُن التذكير بأن مئات الطلاب السوريين فقدوا دراستهم في الجامعات المصرية، بسبب عدم تجديد إقاماتهم، وحرمانهم الإقامة وترحيلهم، ما يبدو موقفًا شديد السلبية من الحكم في دمشق. ويُخبر تقريرٌ أصدرته، أخيرًا، منصّة اللاجئين في مصر والمبادرة المصرية للحقوق الشخصية، بانتهاكات السلطات الأمنية بحقّ لاجئين سودانيين، في عمليات دهم وترحيل، وفصل أطفالٍ عن عائلاتهم واحتجازهم.
ويلفت إلى "تحوّلٍ خطيرٍ في تعامل الحكومة المصرية مع اللاجئين". ومفزعٌ إتيانُه على "حملات اعتقالٍ جماعيةٍ وترحيلٍ قسري منظّمة وعلى مستوى قومي، من دون مراجعةٍ قضائية، إضافة إلى مداهماتٍ للمنازل التي يسكنها لاجئون أو طالبو لجوء، واستهدافٍ عنصريٍّ على أساس لون البشرة أو الحي السكني".
لا نحبّ لمصر سوءَ سمعتها بشأن حقوق الإنسان فيها، عندما يُتعامَل معه من دون اكتراثٍ بالعقابيل، وهذه مقلقةٌ في البعيد والقريب.