في مشهد جديد من فوضى الطرق المصرية التي تحصد الأرواح يوميًا، لقي ثلاثة أشخاص مصرعهم وأصيب آخرون في حادث مأساوي إثر اصطدام شاحنة بعشر سيارات في طريق الإسكندرية – مطروح، على ساحل البحر المتوسط.
الحادث أعاد إلى الواجهة تساؤلات ملحّة حول أسباب استمرار نزيف الدم على الأسفلت، في ظل غياب الرقابة الصارمة، وضعف البنية التحتية، وتقصير السلطات في تطبيق معايير السلامة المرورية، ما يجعل الطرق في مصر ساحات مفتوحة للموت اليومي.
وأفادت الأنباء بأن طريق الإسكندرية – مطروح على ساحل البحر المتوسط، شهد حادث سير مأساوياً، أمس الخميس، أسفر عن سقوط ثلاثة قتلى و20 جريحاً، بعضهم في حال الخطر ويتلقون رعاية طبية داخل غرف العناية المركزة في مستشفيات قريبة من موقع الحادث. وقالت مصادر أمنية: إن "الحادث حصل إثر اصطدام شاحنة نقل بعدد من السيارات، ما أدى إلى تهشم عشر سيارات بالكامل، واشتعال النيران في إحداها".
وكشفت التحريات الأولية أن سائق الشاحنة توقف بشكل مفاجئ أمام حاجز للجنة مرور على الطريق، فاصطدمت بها عشر سيارات قدمت من الخلف، واندلعت النيران فيها. وألقت الأجهزة الأمنية القبض على سائق الشاحنة لعرضه على النيابة العامة من أجل إجراء تحقيق وتحليل عينة من دمه لتحديد احتمال تعاطيه المخدرات أو عدمه، فيما تم نقل 18 مصاباً إلى مستشفى الضبعة المركزي لتلقي العلاج اللازم.
100 ألف مخالفة
وتزعم وزارة الداخلية بحكومة الانقلاب أنها تقوم بحملات المرور على مختلف الطرق السريعة والمحاور منذ بداية يوليو الماضي لتطبيق قانون المرور ورصد المخالفات، وسجلت نحو 100 ألف مخالفة في المتوسط يومياً، من بينها تجاوز السرعة.
الحادث فتح الباب مجدداً أمام موجة من الانتقادات للحكومة، حيث يرى البعض أن الخطاب الرسمي يركّز على الإنجازات والافتتاحات الضخمة، بينما تغيب المحاسبة الفعلية عند وقوع الكوارث.
ويختتم أحد الخبراء في السلامة المرورية حديثه قائلاً: "لدينا بنية تحتية على الورق، ومشروعات مبهرة في الإعلام، لكن التنفيذ على الأرض يفتقر إلى المهنية، والنتيجة أن دماء الأبرياء لا تزال تُراق على طرق تم افتتاحها باحتفالات صاخبة، ثم تُركت بلا صيانة ولا رقابة".
حوادث مشابهة
وشهدت منطقة مدخل شق الثعبان بالمعادي، الثلاثاء الماضي، حادثاً مرورياً مروعاً أعاد إلى الواجهة أزمة حوادث الطرق، بعدما اصطدمت سيارة نقل ثقيل "تريلا" محمّلة بالرخام بأتوبيس يقل عدداً من الركاب، بالإضافة إلى سيارة ملاكي، ما أسفر عن مصرع ثلاثة أشخاص وإصابة 7 آخرين بجروح وكسور متفاوتة الخطورة.
وأظهرت المعاينة الأولية أن الحمولة الثقيلة للتريلا فقدت توازنها قبل أن تدهس الأتوبيس والسيارة الملاكي، في مشهد مأساوي حوّل الطريق إلى ساحة من الفوضى والدماء، وسط حالة من الهلع بين المارة والعاملين بالمنطقة الصناعية.
كما شهد طريق "كفر داوود – السادات" بمحافظة المنوفية، في يوليو الماضي، حادث تصادم مروّع أصيب فيه 12 شخصًا، بينهم 11 فتاة وسائق ميكروباص، أثناء توجههم إلى عملهم في أحد مصانع المواد الغذائية بمدينة السادات الصناعية.
وبحسب شهود عيان، فقد وقع الحادث إثر اختلال عجلة القيادة بيد السائق، ما أدى إلى انحراف السيارة بشكل مفاجئ واصطدامها بجانب الطريق، وسط صرخات الركّاب وحالة من الذعر الشديد داخل المركبة. وتم نقل المصابين جميعًا إلى مستشفى السادات العام لتلقّي الإسعافات والرعاية الطبية اللازمة.
مصدر مسؤول في المنطقة الصناعية أفاد بأن المصابات يعملن في إحدى شركات الصناعات الغذائية الكبرى هناك، في مناوبة صباحية تبدأ مع الفجر، وهي الرحلة التي يقطعنها يوميًا في ظل ظروف نقل غير آدمية، وغياب شبه تام لوسائل السلامة.
طرق بلا روح
ويؤكد المستشار سامي مختار، رئيس الجمعية المصرية لرعاية ضحايا الطرق، أن الأزمة أعمق من مجرد مخالفات فردية، مضيفًا: "في القرى والمناطق النائية لا توجد مواصلات رسمية، لذلك يعتمد الناس على وسائل نقل غير آمنة يقودها غالبًا مراهقون بلا تراخيص، وتتحول مواقف الركوب إلى ساحات عشوائية تغيب عنها الرقابة تمامًا، وهو ما يتسبب يوميًا في كوارث مرورية مستمرة".
يرى محمد جبريل، عضو لجنة النقل والمواصلات بمجلس النواب، أن تكرار حوادث الطرق يمثل إنذارًا حقيقيًا للحكومة بضرورة مراجعة منظومات الأمان ومعايير “كود الطرق” ومدى توافقها مع المعايير الدولية، خاصة بعد إنفاق الدولة عشرات المليارات على مشروعات البنية التحتية وشبكة الطرق، الأمر الذي يستدعي الحفاظ عليها وضمان سلامة مستخدميها.