شهدت العلاقات المصرية – السودانية تطوراً لافتاً في الأيام الماضية بعد حادثة اعتقال وإطلاق سراح القائد السوداني المصباح أبو زيد طلحة، قائد "فيلق البراء بن مالك"، الذي يقاتل إلى جانب الجيش السوداني ضد مليشيا الدعم السريع.
الحادثة التي جرت على الأراضي المصرية، فتحت باباً واسعاً من التساؤلات حول خلفياتها ودلالاتها، خاصة في ظل القلق المتصاعد داخل القاهرة من عودة التيار الإسلامي لواجهة الحكم في السودان.
خلفية الاعتقال
في الرابع من أغسطس 2025، وصل أبو زيد إلى مصر قادماً من السودان لتلقي العلاج إثر إصابة تعرض لها خلال محاولة اغتيال بواسطة طائرة مسيرة تابعة للدعم السريع، كما قصد زيارة أسرته المقيمة في مصر منذ اندلاع الحرب في السودان في أبريل 2023.
لكن زيارته لم تمر مرور الكرام، إذ اعتقلته سلطات السيسي من منزله بمحافظة الإسكندرية في ظروف غامضة.
الروايات تضاربت حول أسباب الاعتقال، حيث أرجعها البعض إلى بلاغات كيدية من أطراف سودانية موالية للدعم السريع، فيما تحدث آخرون عن "إجراءات احترازية" لحمايته من تهديدات محتملة!!!.
روايات متباينة
بيان أصدره أبو زيد في العاشر من أغسطس بعد إطلاق سراحه أقرّ فيه باعتقاله، مؤكداً أن التحقيقات انتهت ببراءته من "تهمة وافتراء".
وأوضح أن إطلاق سراحه تم بمتابعة مباشرة من رئيس مجلس السيادة السوداني عبد الفتاح البرهان، شاكراً في الوقت ذاته مصر على استضافته وعلاج أسرته.
هذه الحادثة ليست الأولى من نوعها، إذ سبق أن اعتقلته السلطات السعودية في يونيو 2024 أثناء زيارة له للمملكة، قبل أن تطلق سراحه لاحقاً.
وهو ما اعتبره محللون مؤشراً على خشية كل من القاهرة والرياض من النفوذ المتصاعد للإسلاميين السودانيين.
تحركات أثارت القلق في مصر
خلال وجوده في القاهرة، ظهر أبو زيد في تجمعات عدة مع نازحين سودانيين، أبرزها في حي فيصل بالهرم حيث التقطت له صور وهو يلوح بعصاه بين أنصاره.
كما شوهد في محطة رمسيس يودع العائدين إلى السودان، ما أثار قلق السلطات المصرية التي اعتبرت تحركاته تعبيراً عن نشاط سياسي غير مرغوب فيه داخل الأراضي المصرية.
مصادر سودانية نقلت أن القاهرة رأت في ظهوره العلني بين جموع اللاجئين السودانيين مؤشراً على إمكانية استغلال التيار الإسلامي لهذه التجمعات، وهو ما يمثل حساسية بالغة في الداخل المصري، خاصة في ظل ارتباط الحركة الإسلامية السودانية بجماعة الإخوان المسلمين.
ردود فعل سودانية
اعتقال أبو زيد لم يمر بصمت في السودان، إذ تحركت قيادات عليا في الجيش السوداني على رأسها البرهان ونائبه ياسر العطا للتواصل مع القاهرة، إلى جانب اهتمام خاص من الفريق ميرغني إدريس رئيس منظومة الصناعات الدفاعية. ضغوط هذه الاتصالات أدت إلى الإفراج عن أبو زيد بعد نحو أسبوع من الاحتجاز.
في المقابل، اشتعلت مواقع التواصل الاجتماعي بحملات تضامن تحت وسوم مثل "كلنا المصباح" و"أطلقوا سراح المصباح"، فيما هدد مقاتلون من فيلق البراء بتنظيم وقفات احتجاجية أمام السفارة المصرية في بورتسودان.
ما بعد الإفراج
رغم الإفراج عنه وسماح السلطات المصرية له باستكمال علاجه، كشفت مصادر مطلعة لصحيفة التغيير السودانية أن القاهرة أصدرت قراراً بترحيله واعتبرته "غير مرغوب فيه"، في مؤشر إضافي على رغبتها في إغلاق الباب أمام أي نشاط سياسي أو عسكري قد ينشط على أراضيها.
أبو زيد نفسه حاول في بيانه التخفيف من وطأة الحادثة، مؤكداً أنه يكن لمصر "الامتنان" ويحرص على "استمرار العلاقة الأخوية بين شعبي وادي النيل"، لكنه لم ينفِ حقيقة احتجازه، واصفاً الأمر بأنه "إجراء طبيعي تقوم به أي دولة".