منذ تولي عبد الفتاح السيسي السلطة بعد انقلاب الثالث من يوليو 2013، دخلت مصر مرحلة جديدة تميزت بإدارة مركزية مشوبة بكثرة القروض والودائع الخليجية، خاصة من الكويت، وسط تدهور اقتصادي غير مسبوق.

دفع تراجع المؤشرات المالية وتفاقم الأزمات حكومة السيسي إلى الاعتماد المتزايد على الدعم الخارجي، ما جعل القرار الاقتصادي الوطني رهينة لمواقف دول الخليج وسياساتها المتقلبة.

 

فشل السياسات الاقتصادية وتفاقم الأزمات

على مدار الأعوام الأخيرة، تشهد مصر انهيارًا اقتصاديًا ملموسًا، إذ ارتفع الدين الخارجي ليصل إلى نحو 156.7 مليار دولار بنهاية مارس 2025 مقارنة بـ155.1 مليار دولار بنهاية ديسمبر 2024.

وخلال النصف الأول من 2025 وحده، اضطرت مصر إلى سداد ديون وفوائد بقيمة 14.1 مليار دولار، على أن تسدد ما يقارب 10.94 مليار دولار إضافية بالنصف الثاني من العام نفسه.

بحسب تقرير البنك المركزي، بلغت خدمة الديون الأجنبية لمصر خلال عام 2025 نحو 25.03 مليار دولار، ارتفاعًا من 22.46 مليار دولار في تقديرات سابقة، ما يكشف عن تزايد حاد في الأعباء المالية الناجمة عن سياسات الاقتراض المفرط.

 

الودائع الكويتية: الإنقاذ المؤقت أم فخارة الديون؟

في خطوة تفضح هشاشة الوضع المالي المصري، أعلنت الكويت في أغسطس 2025 عن تجديد وديعة بقيمة 2 مليار دولار حتى سبتمبر 2025، بعد أن كانت ستستحق السداد في سبتمبر 2024.

وجاء ذلك بعد سلسلة من التجديدات السابقة حيث تم تمديد شريحة أخرى من الودائع الكويتية في أبريل 2024 لتصبح مستحقة حتى أبريل 2025.

وبذلك يصبح إجمالي ودائع الكويت لدى البنك المركزي المصري 4 مليارات دولار .

ورغم أن مصر تحاول التفاوض لتحويل هذه الودائع إلى استثمارات، ما تزال هذه الأموال تشكل عبئًا كبيرًا على الاحتياطي النقدي وتراكم الديون بدلاً من تحقيق أي تنمية حقيقية.

التاريخ يكشف أيضًا أن الكويت قدمت منذ انقلاب يوليو 2013 معونة عاجلة لمصر بقيمة 4 مليارات دولار (مليار منحة، ومليارين وديعة، ومليار نفط ومشتقات نفطية).

وتوالت الودائع والدعم في أعقاب الضغوط البرلمانية في الكويت وتراجع أسعار النفط.

صرح أمير الكويت الشيخ صباح الأحمد في مؤتمر شرم الشيخ 2015: "أؤكد مجددا دعم بلادي اللامحدود للأشقاء في مصر وجهودهم الكبيرة للاستقرار وتوفير مناخ ملائم لنمو اقتصادهم وخلق فرص استثمارية واعدة". .

أما صندوق النقد الدولي، فقد أبدى في مراجعاته الأخيرة "إيجابية حذرة"، لكنه شدد مرارا على الحاجة لإصلاحات هيكلية جذرية من أجل وقف الانهيار وتفادي تخلف مصر عن السداد والتخفيض الحتمي لقيمة العملة المحلية.

المعارضة المصرية في الداخل والخارج ترى أن استمرار الودائع بهذه الصورة:

"يفاقم من سيطرة القرار الاقتصادي والسياسي الخارجي على موارد المصريين ويعزز التبعية، وينسف الاستقلال المالي الوطني ويساعد السيسي على تمديد أزمته الداخلية".

 

تدهور المؤشرات المالية..

سجل معدل التضخم وفق البنك المركزي 13.9 % في يوليو 2025، بعدما بلغ ذروته القياسية بنسبة 38 % في سبتمبر 2023.

ويعد هذا التراجع نسبيًا مؤقتًا في وضع لا يزال هشًا بفعل اعتماد الحكومة على إجراءات وقتية كجذب استثمارات خليجية أو ودائع مؤجلة دون قواعد إنتاجية ثابتة.

تشير الأرقام الرسمية إلى أن البطالة بلغت 6.3% في أول 2025، مقابل 6.7% في 2024، أي بانخفاض طفيف ناجم أساسًا عن التغيرات الديموغرافية أكثر منه عن سياسات تشغيل فعالة.

 

أسباب الأزمة تحت حكم السيسي

تتعدد الأسباب الجذرية للأزمة الاقتصادية في مصر، أبرزها:

  • الاعتماد المفرط على الاستدانة الخارجية والودائع الخليجية المؤجلة دون أي خطة لسدادها أو تحويلها إلى استثمارات منتجة.
  • غياب الاستثمار المحلي الفاعل وإهمال تطوير قطاعات الإنتاج الحقيقي كالصناعة والزراعة.
  • التركيز على مشروعات ضخمة بلا جدوى اقتصادية حقيقية مثل العاصمة الإدارية الجديدة، على حساب الإنفاق على التعليم والصحة والبنية التحتية.
  • تفاقم الفساد الإداري وتزايد النفوذ العسكري في الاقتصاد، ما أضعف القطاع الخاص وقلص فرص النمو.
  • تراجع ثقة المستثمرين الأجانب نتيجة عدم الاستقرار القانوني والمالي.

 

الودائع وتحولها للاستثمارات: حقيقة أم وهم؟

في أبريل 2025، بحثت الكويت تحويل ودائعها البالغة 4 مليارات دولار إلى استثمارات تنافسية في مصر، كوسيلة لإلغاء التزام الديون ومنح دفعة قوية للاقتصاد المصري، إلا أن هذه المحاولة ما تزال غير واضحة الوجهة ولم يتخذ قرار نهائي بما يخدم التنمية الحقيقية أو يخفف أعباء الدين على المديين المتوسط والطويل.

كما أن دعم الإمارات لمصر، الذي بلغ 35 مليار دولار العام الماضي، اقترن بحزم دعم من صندوق النقد والاتحاد الأوروبي بلغت 57 مليار دولار، ما يكشف عن ضخامة الارتباط المالي الخارجي رغم ترويج الحكومة لأنباء ما يسمى "التعافي".

 

أخطاء إدارة الأزمة

لم يستطع النظام الحاكم بقيادة السيسي توفير حلول دائمة لأزمة العملة الأجنبية ونقص الاحتياطي رغم ضخ عشرات مليارات الدولارات كودائع قصيرة الأجل أو قروض مشروطة، وتسببت الديون المتراكمة وغياب التنمية الحقيقية في تآكل الطبقة الوسطى واتساع رقعة الفقر والبطالة.

كما أدى ارتفاع الأسعار بشكل تاريخي وتضخم غير مسبوق إلى تقليل القدرة الشرائية للمواطنين وانتشار حالة الإحباط داخل المجتمع، فيما تتزايد معدلات الهجرة غير الشرعية بحثًا عن مستقبل أفضل.

 

السيناريو القادم ومصير الديون

تجديد الكويت لوديعة 2 مليار دولار حتى سبتمبر 2025، وسلسلة الأموال الخليجية منذ 2013، لم يغير مسار الانهيار الاقتصادي في مصر، بل شكّل اعتمادًا خطيرًا وهدرًا للموارد الوطنية، وصنع دائرة من العجز والغموض حول مستقبل الاقتصاد وسيادة القرار الوطني.

الأرقام والتواريخ تؤكد أن استمرار سياسات الاقتراض تحت حكم السيسي لم ينتج سوى المزيد من الضغوط والفشل في تحقيق أي تعافٍ حقيقي، رغم كل التصريحات الرسمية والأموال الخليجية التي لم توقف انهيار الدولة اقتصادياً واجتماعياً.