في مشهد أقرب إلى الكوميديا السوداء، شهدت مدينة دمنهور حالة من الذهول والقلق بعدما تداول الأهالي مقاطع فيديو تُظهر خروج غاز من صنابير المياه في بعض المنازل، بحيث تشتعل النيران بمجرد تقريب ولاعة منها. الحادثة، التي انتشرت على نطاق واسع عبر مواقع التواصل الاجتماعي، أثارت موجة غضب وسخرية ممزوجة بالخوف، إذ اعتبرها كثيرون تجسيدًا حيًا لإهمال السلطات وفشلها في ضمان أبسط حقوق المواطن: مياه نظيفة وآمنة.

المقاطع المنتشرة أوضحت أن الأمر ليس مجرد “تلوث مياه” بل ظاهرة غريبة تشكل خطرًا مباشرًا على حياة السكان. ومع ذلك، اكتفت الجهات الرسمية ببيانات مقتضبة تتحدث عن “إجراء فحوصات” و“التأكد من الأسباب”، بينما يتساءل المواطنون: أين كانت المراقبة الدورية؟ ولماذا لم يتم اكتشاف الأمر قبل أن يصبح مادة تشتعل بالنار؟

[https://x.com/i/status/1955210805659484286](https://x.com/i/status/1955210805659484286)

 

السوشيال ميديا… مرآة الغضب الشعبي

على فيسبوك وتويتر، تحولت الحادثة إلى ترند محلي، وانهالت التعليقات الغاضبة التي تربط ما يحدث بحالة الإهمال الحكومي العام في ملف البنية التحتية. أحد المغردين كتب ساخرًا: “إحنا مش عارفين نشرب ولا نطبخ… كده هنولع الشاي من الحنفية على طول”. بينما تساءل آخر: “لو المياه كده، إحنا فين من الكارثة قبل ما تحصل؟ مين بيراقب؟”.

[https://x.com/i/status/1955523625316126999](https://x.com/i/status/1955523625316126999)

العديد من الصفحات الشعبية في دمنهور نشرت دعوات عاجلة لتدخل فوري من وزارة الصحة وشركة المياه، محذرة من أن استمرار الأمر قد يؤدي إلى انفجارات صغيرة أو حالات اختناق، خصوصًا في البيوت المغلقة أو أثناء الطهي. وانتقد آخرون غياب الشفافية، إذ رأوا أن البيانات الرسمية تحاول التقليل من حجم الأزمة بدلاً من مكاشفة المواطنين بحقيقتها.

وعلق أحدهم قائلا "مشهد أثار الدهشة والقلق .. وثق شاب مصري لحظة خروج نيران من صنابير المياه في أحد أحياء محافظة البحيرة، حيث أوضحت شركة المياه لاحقا أن السبب يعود إلى "تسرّب غاز الميثان واختلاطه بمياه الشرب".

[https://x.com/i/status/1955570147248275783](https://x.com/i/status/1955570147248275783)

وأضاف عماد " ظهور نيران تخرج من صنابير المياه في محافظة البحيرة نتيجة تسرب غاز الميثان، ليس مجرد حادث عابر، بل بداية من علامات العذاب الأليم الذي توعد الله به من لم ينفر ويعي عواقب التهاون. إما التوبة والرجوع أو مزيد من الابتلاءات القاسية قادمة. وقد انتهت فترة التوبة وحل العقاب".

[https://x.com/AlamadAmad47900/status/1955391552727159188](https://x.com/AlamadAmad47900/status/1955391552727159188)

ونوه فايد " ده غاز الميثان من المجارى".

[https://x.com/FayedSammak/status/1955373645288628243](https://x.com/FayedSammak/status/1955373645288628243)

وأشار سامح "ده معناه انه ماية مجاري عايم فوقيها غاز الميثان القابل للاشتعال."

[https://x.com/sameheissa72/status/1955359386005803226](https://x.com/sameheissa72/status/1955359386005803226)

وأكد علي "هذه اختلاط مياه الترعة والتي تضخ فيها شاحنات المجاري مخلفاتها…. اختلط بماء الشرب والمعروف انه المجاري تولد غاز الميثان ( بسبب الفضلات)".

[https://x.com/alborhan2020/status/1955342618365501836](https://x.com/alborhan2020/status/1955342618365501836)

 

أزمة ثقة متفاقمة

هذه الواقعة ليست حدثًا معزولًا، بل تأتي ضمن سلسلة أزمات مشابهة شهدتها مدن مصرية أخرى، مثل تلوث مياه الشرب، وانقطاعها لفترات طويلة، واختلاطها بالصرف الصحي. ما جعل كثيرين يصفون ما يحدث بأنه “تآكل في ثقة المواطن في الدولة”، خصوصًا عندما يتعلق الأمر بالخدمات الأساسية.

المفارقة أن الحادثة في دمنهور تمثل تهديدًا مزدوجًا: صحي وأمني. فالمياه الملوثة خطر على الصحة، لكن المياه القابلة للاشتعال قد تتحول إلى كارثة انفجار في أي لحظة. وبينما ينتظر المواطنون حلولًا عاجلة، تستمر ردود الفعل الرسمية في إطار التحقيقات الميدانية، دون أي إعلان واضح لخطط إصلاح أو تطهير شامل للشبكات.

 

تحليل فني وأمني للحادثة

من الناحية الفنية، فإن وجود غاز قابل للاشتعال في شبكة مياه الشرب قد يشير إلى تسرب غاز طبيعي من خطوط أرضية مجاورة إلى أنابيب المياه عبر شقوق أو نقاط ضعف في البنية التحتية. هذا السيناريو يكشف عن غياب التنسيق بين شركات المياه والغاز، وهو أمر يفترض أن يتم عبر فحوصات دورية مشتركة تضمن سلامة الشبكات ومنع أي اختلاط بينهما.

كما أن هذه الحادثة تكشف ضعف منظومة الإنذار المبكر، فلو كانت هناك أجهزة استشعار لمكونات المياه في محطات الضخ أو عند نقاط التوزيع، لتم اكتشاف المشكلة فور حدوثها قبل أن تصل إلى منازل المواطنين. وغياب هذه التكنولوجيا يعكس سياسة تقشفية في قطاع حيوي لا يحتمل الإهمال، حيث يتم الاكتفاء برد الفعل بعد وقوع الكارثة بدلًا من الاستثمار في الوقاية.

أما من الناحية الأمنية، فإن المياه القابلة للاشتعال تمثل خطرًا مضاعفًا، إذ يمكن أن تتحول أي شرارة في المطبخ أو الحمام إلى حريق مفاجئ. وهذا يفرض على السلطات سرعة التحرك لإصلاح الخلل، مع إصدار تحذيرات واضحة وإرشادات للمواطنين لحماية أنفسهم لحين الانتهاء من معالجة المشكلة.

في النهاية، فإن ما جرى في دمنهور ليس مجرد حادثة محلية عابرة، بل جرس إنذار لمدى هشاشة البنية التحتية للخدمات الأساسية في مصر، والحاجة الماسة إلى إعادة هيكلة منظومة الصيانة والرقابة، قبل أن نجد أنفسنا أمام كارثة أكبر قد لا يمكن احتواؤها بسهولة.

حادثة “الحنفيات المشتعلة” في دمنهور أعادت إلى الواجهة ملف الإهمال في متابعة شبكات المياه وفحصها بشكل دوري. ومع أن السوشيال ميديا منحت المواطنين صوتًا قويًا لنقل معاناتهم، إلا أن الخوف الأكبر هو أن تتحول هذه الأصوات إلى مجرد صدى على الإنترنت، بينما تظل المياه في الواقع تحمل بين قطراتها خطرًا قد يشتعل في أي لحظة.