في تصريح مثير أثار استنكارًا واسعًا، زعم رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو أن “لولا تعاون صديقي السيسي في تكبيل المصريين وحصار غزة، لكانت إسرائيل في ورطة كبيرة.”
هذا الكلام، بخطورته الرمزية، لا يعكس تخيّلًا سياسيًا فقط، بل يعزز الرواية القائلة إن ما يحدث اليوم في غزة لا يقتصر على حصار إسرائيلي بل هو حصار مهيكل تعمل فيه أجهزة دولة عربية كجناح أمني وسياسي فعال.

في هذا التقرير، نستعرض ملامح هذا التعاون، ونتناول آراء خبراء ومحللين أنفسهم، مع التركيز على دور السيسي في غلق معبر رفح وتجويع قطاع غزة
الأمر الذي تتناقله التحليلات على أنه جزء من لعبة إقليمية توقف بها “قلب العرب النابض” لصالح صمت القاهرة.
 

خلفية تاريخية: من "السلام البارد" إلى التحالف الأمني
منذ توقيع معاهدة السلام عام 1979، كانت العلاقات المصرية-الإسرائيلية تقوم على مبدأ "السلام البارد": تعاون محدود في الأمن، واتصالات دبلوماسية متقطعة، مع بقاء القضية الفلسطينية في واجهة الخطاب السياسي المصري.
لكن منذ عام 2013، تغير المشهد جذريًا. فقد تحوّل التعاون من خلف الكواليس إلى شراكة معلنة في كثير من الملفات، خاصة ما يتعلق بغزة.
وتشير تحليلات خبراء إقليميين إلى أن القاهرة باتت ترى في حركة حماس تهديدًا أمنيًا داخليًا مرتبطًا بجماعة الإخوان المسلمين، ما دفعها إلى تبني سياسة أقرب إلى الموقف الإسرائيلي منه إلى الموقف التاريخي لمصر كمدافع عن القضية الفلسطينية.
 

معبر رفح: شريان الحياة الذي أصبح أداة حصار
يُعتبر معبر رفح البري هو المنفذ الوحيد لسكان غزة على العالم الخارجي بعيدًا عن سيطرة الاحتلال الإسرائيلي المباشرة.
لكن منذ سنوات، وخاصة بعد 2014، تم تقييد عمل المعبر بشدة، بحيث أصبح فتحه يتم وفق شروط أمنية صارمة ولفترات محدودة، وغالبًا بالتنسيق المباشر مع الجانب الإسرائيلي.
تؤكد تقارير منظمات حقوقية أن المعبر لا يفتح إلا أمام أعداد محدودة من الحالات الإنسانية الطارئة، وأن إجراءات الفتح والإغلاق تتم بطريقة تجعل المعبر أداة ضغط سياسي وأمني أكثر منه منفذًا إنسانيًا.
 

الحصار المزدوج: إسرائيل تغلق من الشمال والشرق... ومصر من الجنوب

يرى المحللون أن الحصار المفروض على غزة هو حصار مزدوج:

من الجانب الإسرائيلي: إغلاق كامل للحدود، ومراقبة صارمة لكل ما يدخل ويخرج من القطاع، ومنع معظم السلع والمعدات.
ومن الجانب المصري: إغلاق معبر رفح معظم أيام السنة، وتدمير الأنفاق التي كانت تمثل شريانًا اقتصاديًا للفلسطينيين.
بهذا الشكل، يصبح القطاع محاصرًا من جميع الجهات، ما يجعل أي حديث عن "دور مصر في دعم القضية الفلسطينية" محل تشكيك كبير، خاصة في ضوء تصريحات نتنياهو التي تكشف عن تنسيق أمني عميق.
 

التبريرات الرسمية المصرية
تقدم الحكومة المصرية دائمًا مبررات أمنية لإغلاق المعبر وتشديد الرقابة على غزة، وتقول إن الهدف هو منع تهريب الأسلحة أو تسلل عناصر "إرهابية" إلى سيناء.
لكن المعارضين لهذه السياسة يرون أن هذه المبررات لم تعد مقنعة، خاصة بعد سنوات طويلة من الحصار التي لم تحقق أي "أمن" إضافي، بل زادت من معاناة المدنيين وعمقت الكارثة الإنسانية في القطاع.
 

آراء المحللين والنشطاء

الإعلامي محمد سمير "لولا تعاون صديقي السيسي في تكبيل المصريين وحصار غزة، لكانت إسرائيل في ورطة كبيرة" ولسه في ناس بتقول انه مش قافل المعبر واسرائيل اللي قفلاه #السيسي_مجرم_حرب".

الناشط محمد إسماعيل "نتياهو يؤكد لولا السيسي صديقي وافكاره في التعامل مع غزة ما تمكنت للوصول الي هذه النقطة لذا أنا اود ان اشكره!!! #السيسي_خاين_وعميل #السيسي_مجرم_حرب".

الدكتور سام يوسف "مجرم الحرب قاتل الاطفال نتنياهو يشكر شريكه السيسي علنا: "لولا تعاون صديقي السيسي في حصار غزة، لكانت إسرائيل في ورطة كبيرة".

الصحفي عبدالحميد قطب "نتنياهو: أود الإشادة بـــ "صديقي وزميلي" السيسي على حسن تعاونه معنا".
 

تصريح نتنياهو: اعتراف أم إهانة؟

تصريح نتنياهو الأخير يضع القاهرة في موقف حرج، لأنه بمثابة اعتراف إسرائيلي بأن النظام المصري يلعب دورًا أساسيًا في إضعاف غزة وخنقها اقتصاديًا وإنسانيًا.
البعض يرى أن هذا التصريح إهانة مباشرة للشعب المصري الذي طالما اعتبر القضية الفلسطينية جزءًا من قضيته القومية، بينما يرى آخرون أنه كشف الحقيقة التي حاولت الحكومات المتعاقبة إخفاءها.
 

الأبعاد الإنسانية للحصار
تسبب الحصار المستمر، الذي تشارك فيه مصر من خلال سياساتها الحدودية، في:

  • نقص حاد في المواد الغذائية الأساسية.
  • انهيار المنظومة الصحية نتيجة منع دخول الأدوية والمعدات الطبية الكافية.
  • ارتفاع معدلات البطالة والفقر إلى مستويات غير مسبوقة.
  • زيادة معدلات سوء التغذية بين الأطفال، حتى أن تقارير الأمم المتحدة حذرت من مجاعة وشيكة في القطاع.
     

مكاسب سياسية على أنقاض الابادة
رغم الخطاب الرسمي الذي يؤكد دعم القضية الفلسطينية، إلا أن التعاون الأمني مع إسرائيل في ملف غزة يمنح النظام المصري عدة مكاسب:

  • تعزيز العلاقات مع الولايات المتحدة وإسرائيل، بما يضمن استمرار الدعم السياسي والاقتصادي.
  • استخدام ملف المعبر كورقة ضغط في المفاوضات الإقليمية.
  • تقليص أي تهديد محتمل من غزة على الأمن في سيناء.

لكن هذه المكاسب تأتي على حساب السمعة التاريخية لمصر كداعم رئيسي للحقوق الفلسطينية.
 

الموقف الشعبي
في الشارع المصري، هناك حالة غضب متصاعدة تجاه سياسة الحكومة في التعامل مع غزة، خاصة بعد تصريحات نتنياهو.
النشطاء على وسائل التواصل الاجتماعي اعتبروا أن ما يجري هو "خيانة" للقضية الفلسطينية، وأن مصر، بدلاً من أن تكون سندًا لغزة، أصبحت جزءًا من آلة الحصار.

في النهاية فإن تصريح نتنياهو لم يكن زلة لسان، بل هو رسالة واضحة تكشف حجم التعاون بين النظام المصري وإسرائيل في ملف غزة.
هذا التعاون، الذي يتخذ شكل شراكة أمنية، يساهم بشكل مباشر في إطالة أمد الكارثة الإنسانية التي يعيشها الفلسطينيون في القطاع.
ولذلك، فإن أي دعوة جادة لدعم غزة يجب أن تبدأ بفك الحصار المصري قبل الإسرائيلي، وفتح معبر رفح بشكل كامل ودائم أمام حركة الأفراد والبضائع، بعيدًا عن الحسابات السياسية الضيقة.