في مشهد يعكس تناقضًا صارخًا بين الخطاب العاطفي الذي تبنته إدارة سلسلة محال "بـ لبن" خلال أزمة الإغلاق الأخيرة، والإجراءات القاسية التي اتخذتها لاحقًا، كشفت شهادات عشرات العمال عن عمليات تسريح جماعي طالت نحو 1500 عامل داخل مصر، ومئات آخرين في فروع الشركة بالخليج، وسط اتهامات بالإجبار على تقديم استقالات، وحرمان من المستحقات، وتوقيع إقرارات تمنعهم من المطالبة بالتعويضات أو الحديث للإعلام.
تسريح داخلي تحت الضغط
على مدى الأسابيع الماضية، نفذت "بـ لبن" حملة واسعة للاستغناء عن العمال في القاهرة الكبرى والمحافظات، حيث أُبلغ المئات بشكل مفاجئ بانتهاء خدماتهم، رغم أن بعضهم كان لا يزال في منتصف عقوده الموقعة مع الشركة.
يقول حسن خالد، أحد المسرحين، إنه فوجئ فجر 4 أغسطس الجاري، مع نصف زملائه في الفرع، بقرار الاستغناء الفوري.
وفي مقر الإدارة بمصر الجديدة، وُزعت أوراق استقالة وإقرارات باستلام المستحقات، مقابل راتب شهر يوليو وثلاثة أيام من أغسطس، متجاهلين الشهور المتبقية من العقود وفترة الإخطار القانونية.
شهادات أخرى من فروع الجيزة ومطروح أكدت أن معظم العمال اضطروا للتوقيع تحت ضغط الحاجة إلى الرواتب المتأخرة، بينما حرر عشرات منهم محاضر في أقسام الشرطة وشكاوى بمكاتب العمل.
من الخليج إلى الشارع
لم تتوقف موجة الفصل عند حدود مصر، إذ أكد عمال مصريون في فروع "بـ لبن" وسلسلة مطاعم "وهمي" بالخليج، أن الإدارة طبقت أسلوبًا مشابهًا هناك.
في عمان، نُقل بعض العمال إلى الإمارات بعقود جديدة، لكن بعد سفرهم لمصر لاستخراج التأشيرات، جرى تسويف الاتفاق حتى انتهى الأمر بفصلهم وتسوية جزئية حرمتهم من سنة كاملة في عقودهم.
في السعودية، وبعد إعادة فتح الفروع التي أُغلقت بسبب حالات تسمم غذائي، خفضت الإدارة العمالة إلى النصف، تاركة أكثر من 150 عاملًا دون رواتب لثلاثة أشهر، قبل أن تنهي خدماتهم.
أما في الإمارات، فقد لجأت الشركة إلى تخفيض الرواتب مرتين، ثم عرضت عقودًا جديدة تقل رواتبها بما يقارب الثلث، ما أدى إلى استبدال الرافضين بعمال جدد من مصر.
أزمة أبريل و"الخطاب العاطفي"
تعود بداية الأزمة إلى أبريل الماضي، حين أغلقت الحكومة 110 فروع للشركة بعد اكتشاف بكتيريا ممرضة في منتجاتها، وهو ما قابله رئيس مجلس الإدارة، مؤمن عادل، بحملة إعلامية مؤثرة، تحدث خلالها عن "تشريد 25 ألف أسرة" وناشد عبد الفتاح السيسي التدخل.
تدخل السيسي بالفعل، وعُقد اجتماع عاجل مع الجهات المختصة، لتعود الفروع للعمل بعد إشادة رسمية من وزير الصناعة والنقل كامل الوزير بجودة المصانع والمنافذ.
لكن بعد انقضاء الأزمة، تحولت لغة "الاستغاثة" إلى قرارات "الاستغناء"، لتطال من وعدت الشركة بحمايتهم، في مصر والخارج على حد سواء.