"أنا مش هاقع.. وبكرة أفكركم"  بهذه العبارة الترويجية ظهرت الإعلامية داليا فؤاد في مقاطع مصورة وهي تتحدث عن التحدي ومحدش هيقدر يحبسها وذلك في 14 نوفمبر 2024، حينما ألقت أجهزة الأمن القبض على المذيعة والبلوجر داليا فؤاد في شقتها بمنطقة التجمع الأول بالقاهرة الجديدة، بتهمة حيازة مواد مخدرة، منها مخدر GHB المعروف إعلاميًا بـ”مخدر الاغتصاب”، إضافة إلى الحشيش والبريجابالين. النيابة وجهت إليها تهم الحيازة بقصد الاتجار والتعاطي في غير الحالات المصرح بها قانونيًا.

في محكمة أول درجة، أمرت بالحبس لمدة سنة، وبرأتها من تهمة حيازة مخدر GHB لعدم كفاية الأدلة، مما أثار تساؤلات حول مدى توازن الحكم مع التهم، وتحويل القضية إلى إعلان علني لتطبيق القانون.

لاحقًا رفضت محكمة الاستئناف الطعن، وأيدت الحكم بالسجن سنة بعد استئناف النيابة والدفاع، ما يعنيι أن داليا ستقضي عامًا وراء القضبان رغم الجدل العام حول القضية.

والقضية بينت أن داليا هي منبع الفساد والانحلال رغم الدور الذي تلعبه بكونها تحارب مواجهة الفساد الأخلاقي. فكانت تُسوّق لنفسها كصوت نسائي قوي يقف في وجه الانحراف والمجتمع الذكوري، مطالبةً ببيئة إعلامية أكثر نظافة وانضباطًا.

لكنها سقطت هي نفسها، ليس فقط في فخ التناقض، بل في قبضة الأمن المصري، متلبسة بحيازة مواد مخدرة داخل شقتها، بما في ذلك الحشيش، مخدر GHB شديد الخطورة، أقراص بريجابالين، وأدوات تعاطٍ مختلفة. وتم توثيق تلك المضبوطات بمحاضر رسمية وصور من هاتفها.

ورغم فداحة الوقائع، جاء الحكم القضائي ليصدم الرأي العام: سنة واحدة فقط بالحبس، مع تبرئتها من تهمة "الاتجار بالمخدرات"، وتم تخفيف القضية إلى مجرد "تعاطٍ"، رغم تعدد الأنواع والكميات.
 

نفاق الخطاب وسقوط الأقنعة
   
لم تكن القضية مجرد "سقطة إعلامية"، بل فضيحة أخلاقية، لأن داليا فؤاد ظلت لسنوات تحاضر في الفضيلة وتحذر من الانهيار الأخلاقي، بينما مارست خلف الستار ما كانت تجرّمه علنًا.
هذه الازدواجية، كانت كافية لأن تُحوّل القضية إلى درس حقيقي عن النفاق، لكن القضاء لم يكن على قدر التحدي.

النيابة العامة تحدثت عن نية واضحة للاتجار، ووجود مواد غير شائعة بين المتعاطين، مثل GHB (المعروف إعلاميًا بمخدر الاغتصاب)، وكمية من الحشيش وأقراص متنوعة.
ومع ذلك، قررت المحكمة اعتبار الأمر "تعاطيًا للاستخدام الشخصي"، دون النظر في العناصر المادية والرقمية التي ترجّح نشاطًا أوسع.
 

نجوم فوق القانون.. أمثلة على الإفلات والبراءة

قضية داليا فؤاد لم تكن الأولى، ولن تكون الأخيرة. قبلها، تم تمرير أحكام ضعيفة أو إصدار براءات صادمة بحق عدد من المشاهير المحسوبين على النظام، في نمط قضائي يفضح هشاشة استقلال العدالة في مصر.

وواحدة من أكثر النقاط التي تثير غضب الشارع في مثل هذه القضايا، هو شعور الفنانين والإعلاميين المحسوبين على دوائر النفوذ بأنهم فوق القانون، وأنه مهما ارتكبوا من مخالفات، فإن أقصى ما يمكن أن يطالهم هو حكم رمزي لا يُنفذ، أو "عقوبة مشروطة" تنتهي بالتصالح أو التظلم الإعلامي.

  1. منة شلبي: أوقفت في مطار القاهرة الدولي بحيازة مخدر الماريوانا، وتم توثيق الواقعة بالكامل، لكنها خرجت بغرامة فقط (50 ألف جنيه)، دون أي عقوبة حبسية، ودون تسجيل الجريمة كمخالفة مؤثرة في السجل العدلي. تم تبرير الحكم بأنه "للاستخدام الشخصي"، رغم أن الكمية كانت كافية لتبرير الحبس الاحتياطي.
  2. أحمد فتوح: تورط في حادث سير أودى بحياة مواطن. ورغم أن الوقائع تشير إلى مسؤولية مباشرة، انتهت القضية بحكم رمزي "مع إيقاف التنفيذ"، وكأن حياة المواطن لا تساوي أكثر من محضر اعتذار وتقرير مرور.
  3. سعد الصغير: ضُبط بحيازة أقراص مخدرة (ترامادول وغيره)، وتم تمرير الواقعة كـ"حالة طبية"، رغم عدم وجود أي تقارير علاجية أو وصفات رسمية. خرج بكفالة دون محاكمة جادة.

القضاء الشامخ.. حين تتبدد الثقة

منذ 2013، رفع النظام شعار "القضاء الشامخ" في مواجهة من يتهمه بالتسييس والتدخل، لكن الواقع يكشف عن عدالة مشروطة، متغيرة تبعًا للهوية والولاء.

أنماط لضعف القضاء في هذه القضايا:

  • تمييع التهم: تحويل تهمة الاتجار إلى تعاطٍ، أو القتل الخطأ إلى مخالفة مرور.
  • استعمال مصطلحات مطاطة: مثل "انتفاء القصد الجنائي"، أو "عدم وجود نية"، رغم أن القانون لا يشترط النية في جرائم حيازة وتداول المخدرات.
  • التمييز القضائي: نفس التهم التي تُحكم فيها على معارض بـ15 عامًا، يصدر بشأن فنان أو إعلامي حكمًا بالكفالة أو الغرامة.
  • ليست هناك قوانين مكتوبة تقول إن "الفنان أو الإعلامي المقرب من النظام فوق القانون"، لكن الواقع يُنتج هذا المعنى بصورة غير مباشرة عبر الممارسات التالية:
  • التغطية الإعلامية التجميلية: قبل صدور الحكم، يتم التمهيد بتصريحات مثل "هي إنسانة محترمة" أو "تعاني من ضغوط".
  • الاستقواء بقاعدة جماهيرية: بعض المشاهير يلوحون ضمنيًا بأن إدانتهم ستشعل ضجة أو تشوه صورة البلاد.
  • التدخلات الناعمة: من وراء الكواليس، تضعف النيابة العامة موقفها أو تُوجَّه المحكمة لتخفيف التكييف القانوني.

 

الرسائل الخاطئة التي تصل إلى الناس
عندما يرى الشارع أن داليا فؤاد تتحدث عن القيم ثم تضبط بمخدر GHB، وتحصل على سنة واحدة فقط… بينما يُزج بشباب في العشرينات في السجون لعشر سنوات بسبب منشور أو أغنية، فإن الرسالة التي تصل إلى الناس هي التالية:

  • القانون في مصر ليس أداة للعدالة، بل وسيلة لضبط "غير المرضي عنهم".
  • النجوم المحسوبون على السلطة لديهم حصانة صامتة، ولا تطبق عليهم المعايير نفسها.
  • القضاء أصبح شريكًا في إنتاج الحصانة، لا في محاربة الجريمة.

وختاما فإن قضية داليا فؤاد ليست فقط فضيحة مخدرات، بل مرآة حقيقية لانهيار فكرة العدالة المتساوية في مصر.
إنها تعرّي القضاء، وتكشف كيف يمكن لامرأة أن تروّج للقيم أمام الكاميرا وتخرقها خلف الكواليس، ثم تُكافأ بحكم خفيف لا يتناسب مع ما ارتكبته.

طالما استمر القضاء في التمييز بين الفنان والفقير، بين الإعلامي المحسوب على النظام والمواطن العادي، فلن تكون هناك عدالة حقيقية، بل مجرد مسرحية اسمها: "القضاء الشامخ.. على مقاس النظام".