في خطوة فجائية أخرى تزيد من الأعباء الاقتصادية على المواطن المصري، بدأت حكومة الانقلاب المصرية اعتباراً من يوم 1 أغسطس 2025، تطبيق زيادة جديدة في أسعار الغاز الطبيعي المورد للمصانع، بحد أدنى دولار واحد لكل مليون وحدة حرارية بريطانية.

القرار، الذي كشفته "الشرق بلومبيرج"، أثار موجة من الانتقادات من اقتصاديين وصناعيين، خصوصاً أنه يأتي في ظل تراجع القدرة الشرائية للمواطن، وتضاعف تكاليف الإنتاج، ما ينذر بموجة غلاء جديدة تطال المواد الغذائية، خاصة الخضراوات والفواكه.

 

الزيادة ليست الأولى..

هذه الزيادة ليست الأولى في سلسلة قرارات حكومة الانقلاب منذ 2016 والتي تستهدف رفع الدعم تدريجياً دون بدائل حقيقية لحماية الشرائح الفقيرة، ففي أكتوبر 2022، تم رفع سعر الغاز للمصانع كثيفة الاستهلاك من 4.5 إلى 5.75 دولارات لكل مليون وحدة حرارية، واليوم، يُضاف دولار جديد على هذا السعر، ما يعني وصول الغاز إلى 6.75 دولارات، بنسبة زيادة تتجاوز 15% دفعة واحدة.

الدكتور محمود العسقلاني، رئيس جمعية "مواطنون ضد الغلاء"، اعتبر أن "الحكومة اختارت الطريق الأسهل لتعويض العجز، وهو تحميل المنتجين والمواطنين عبء فشل السياسات الاقتصادية"، مؤكداً أن الصناعة الوطنية أصبحت "رهينة القرارات المتسرعة التي لا تراعي واقع السوق".

 

صعود متوقع لأسعار الغذاء.. من سيدفع الفاتورة؟

من المتوقع أن تؤدي هذه الزيادة إلى ارتفاع مباشر في أسعار المنتجات الغذائية، خصوصاً الخضراوات والفواكه التي تُزرع وتُعبأ باستخدام آلات تعتمد على الغاز، كما أن المصانع المنتجة للأسمدة، المواد الكيماوية، منتجات الألبان، المعلبات، وحتى الصناعات التحويلية الصغيرة، تعتمد على الغاز كمصدر أساسي للطاقة.

ويؤكد تقرير "الشرق بلومبيرج" أن هذه الزيادة ستُترجم سريعاً إلى أسعار أعلى في الأسواق، وهو ما أكده أيضاً الخبير الاقتصادي د. أحمد ذكر الله بقوله: "كل زيادة في تكلفة الغاز تُرفع معها تكلفة الإنتاج، ونتحدث هنا عن ملايين من المنتجات المرتبطة بشكل مباشر أو غير مباشر بالطاقة".

وتساءل اقتصاديون: "هل تدرك الحكومة أن خضراوات مثل الطماطم والبطاطس ستصبح سلعاً غير متاحة للطبقة الفقيرة؟ وأن المزارع لن يتحمل كلفة تشغيل الآلات بعد الآن؟"

 

أين وعود الدولة بدعم الصناعة؟

اللافت أن هذه الخطوة تأتي في وقت لا تزال فيه حكومة الانقلاب تعلن على الورق عن "خطة دعم الصناعة"، و"تحفيز القطاع الخاص"، و"تشجيع التصدير"، لكنها على الأرض تتخذ قرارات تعاكس تلك التصريحات.

ففي مايو 2024، قال رئيس حكومة الانقلاب مصطفى مدبولي إن "الدولة تضع الصناعة على رأس أولوياتها"، بينما الواقع يشير إلى إغلاق عشرات المصانع الصغيرة والمتوسطة خلال العام ذاته بسبب ارتفاع أسعار الطاقة والمواد الخام.

نقابة الصناعات الصغيرة والمتوسطة أصدرت بياناً، اليوم، تؤكد فيه أن قرار رفع أسعار الغاز يهدد بغلق ما لا يقل عن 5 آلاف مصنع صغير خلال الأشهر الستة المقبلة، مما قد يؤدي إلى فقدان عشرات الآلاف من فرص العمل.

 

فشل الإدارة الاقتصادية تحت حكم السيسي

يأتي القرار الأخير ليضيف حلقة جديدة إلى سلسلة القرارات التي تعكس فشل الإدارة الاقتصادية لنظام عبد الفتاح السيسي، الذي تعهد في أكثر من مناسبة بـ"تحسين الوضع المعيشي" و"تحقيق التنمية"، بينما الواقع يكشف عكس ذلك.

خلال العام الماضي فقط، ارتفع معدل التضخم السنوي إلى أكثر من 33% في بعض الشهور، وفق بيانات الجهاز المركزي للتعبئة والإحصاء.

وفي المقابل، استمرت حكومة الانقلاب في رفع أسعار الكهرباء، الوقود، ورسوم الخدمات، في مقابل تثبيت الأجور بل وخفض مخصصات التعليم والصحة في الموازنة العامة لعام 2025/2024.

 

مصر تفقد ميزة تنافسية.. والمستثمرون يغادرون

قرارات رفع أسعار الطاقة في مصر تفقد البلاد ميزة تنافسية طالما اعتمدت عليها في جذب الاستثمارات الصناعية، لا سيما في المناطق الحرة والمناطق الصناعية بالصعيد.

منظمة اليونيدو للتنمية الصناعية أصدرت في تقريرها السنوي لعام 2024 أن "مصر تراجعت 8 مراكز في مؤشر القدرة التنافسية الصناعية"، وأرجعت السبب إلى "سياسات طاقوية غير مستقرة، وارتفاع غير مبرر في أسعار الغاز والكهرباء الصناعية".

الخبير الصناعي م. هاني توفيق حذر من أن "المستثمرين الصناعيين العرب والأجانب باتوا ينظرون إلى السوق المصري كمكان عالي التكلفة، منخفض العائد"، ما يهدد بخروج استثمارات بمليارات الجنيهات.

 

البدائل الغائبة.. هل هناك مخرج؟

يتساءل مراقبون: لماذا تصر حكومة الانقلاب على رفع الأسعار بدلاً من البحث عن بدائل حقيقية مثل مكافحة الفساد، ترشيد الإنفاق الحكومي، تقليل ميزانيات الأجهزة السيادية، أو فرض ضرائب تصاعدية على الأثرياء والشركات العملاقة؟

الخبير المالي عمرو عدلي يرى أن "المشكلة ليست في غياب الموارد بل في سوء إدارتها"، مضيفاً أن "مشاريع مثل العاصمة الإدارية والعلمين الجديدة تلتهم مليارات الجنيهات دون عائد ملموس على الاقتصاد الحقيقي".

 

المواطن يدفع الثمن مجدداً

مرة أخرى، يُجبر المواطن المصري على دفع فاتورة فشل حكومي ممنهج، في وقت يغيب فيه الحوار المجتمعي، وتُغيب فيه النقابات المستقلة، وتُقصى الأصوات المعارضة، ورفع أسعار الغاز للمصانع لن يكون قراراً تقنياً فقط، بل هو قرار له تبعات اجتماعية واقتصادية قد تمتد لسنوات.