شهدت الأيام الأخيرة من يوليو 2025 ضجة كبرى في مصر بعد تسريب قرار صادر عن وزارة الصحة بحكومة الانقلاب وهيئة التأمين الصحي، يرفع مساهمة المرضى في أسعار الأدوية التجارية المشمولة بالتأمين الصحي من 35% إلى 70%.
القرار الذي تداولته مصادر طبية وإدارية عبر مجموعات مغلقة منذ منتصف يوليو، وقبل أن يدخل حيز التنفيذ فعلياً، سارعت وزارة الصحة إلى نفيه رسمياً بعد انتشاره في الإعلام، وأكدت أن قواعد صرف الأدوية لم تتغير.
مصادر داخل الوزارة أكدت أن القرار صدر بالفعل، لكن تم تأجيل تنفيذه مؤقتاً بسبب ردود الفعل الغاضبة والحرج السياسي لحكومة السيسي بعد افتضاح الأمر للرأي العام؟.
أبعاد القرار
تعود أسباب ذلك التحول المفاجئ لوجود أزمة مالية خانقة تواجهها هيئة الشراء الموحد للأدوية، حيث بلغت مديونياتها لشركات الدواء أكثر من 50 مليار جنيه حتى منتصف 2025، بنسبة ارتفاع كبيرة عن السنوات السابقة.
وتبرر مصادر معنية في جمعية “الحق في الدواء” القرار بالبحث عن سد عجز الميزانيات المتراكمة، بعدما ارتفعت تكاليف الإنتاج الدوائي في البلاد إثر عدة موجات من تعويم الجنيه وارتفاع فواتير الكهرباء والطاقة وتعاظم أعباء الاستيراد.
قرارات كارثية تتحملها الطبقات الفقيرة
يرى اقتصاديون أن تحميل المواطن البسيط 70% من ثمن الدواء التجاري، بالتوازي مع تآكل قيمة الجنيه بنسبة تصل إلى 65% خلال عام ونصف، هو كارثة اجتماعية وصحية لا يمكن تبريرها.
ويشير علي عوف، رئيس شعبة الأدوية باتحاد الغرف التجارية، إلى أن أسعار ما بين 2,000 و2,500 صنف دوائي ارتفعت فعلياً بنسبة 30% منذ قرار تعويم الجنيه قبل أكثر من عام، مع تكاليف إنتاج قفزت بأكثر من 50% في الفترة ذاتها.
ويلفت إلى أن هناك ضغوطاً متواصلة على مصانع وقطاع الدواء تهدد توقف العديد منها وتحرم ملايين المصريين من الحق في العلاج.
من جانبه، حذر الخبير محمود فؤاد رئيس مجلس إدارة جمعية الحق في الدواء من أن تحميل المرضى نسباً عالية من تكلفة الدواء تحت دعاوى “دعم المنظومة” يعكس تحلّل الدولة من التزاماتها الدستورية ويوجه ضربة قاصمة إلى الفقراء والبسطاء.
حجج الحكومة
رغم تسريب القرار واستعداد الجهات لتنفيذه في أول أغسطس 2025، سارعت وزارة الصحة والحكومة للإعلان في 30 يوليو أنها “تنفي صحة رفع نسبة مساهمة المريض في الدواء إلى 70%” بحجة الحفاظ على العدالة الاجتماعية، مع تأكيد استمرار صرف الأدوية بنفس آلياتها السابقة ودون أي تغيير للأدوية الحيوية “البلافكس”، “الإنسولين”، و"إنترستو".
لكن مصادر مطلعة كررت أن التراجع مجرد تأجيل مؤقت، وأن الحكومة ستعيد طرح القرار في صورة أخرى بعد هدوء العاصفة الإعلامية والسياسية.
زيادات غير مسبوقة في أسعار الأدوية
تشير تقارير إعلامية وتحليلات اقتصادية إلى أنه منذ انقلاب 2013 وحتى الآن، وارتبط حكم السيسي بسلسلة من الزيادات الحادة في أسعار الدواء.
فقد أعلنت هيئة الدواء المصرية في يونيو 2024 عن زيادات جديدة بين 20–25% لأدوية الأمراض المزمنة، فيما تجاوزت الزيادة التراكمية لأسعار الأدوية في مصر خلال عقد 150%، بحسب رصد من داخل القطاع الدوائي.
قطاع الأدوية أصبح في السنوات الأخيرة ساحة ضغط متكرر على محدودي الدخل، مع صمت حكومي على تجاوزات حقيقية في آليات التسعير وغياب الشفافية في توزيع الدعم.
تروج حكومة الانقلاب لمشروع التأمين الصحي الشامل منذ 2019، معلنة عن توسيعه ليشمل 6 محافظات فقط خلال 6 سنوات — بنسبة تغطية فعلية أقل بكثير من المعلن رسمياً، مع حالات كثيرة من الفساد والمخالفات وضبط أدوية تأمين صحي تُباع في السوق السوداء أو تختفي من الأسواق الشرعية.
ويكشف تقرير "اندبندنت عربية" عن نماذج لضبط أدوية تأمين صحي مخصصة للمستشفيات الحكومية في صيدليات خاصة بشكل متكرر، في حلقات فساد وسوء إدارة، تطيح بحق المرضى في الحصول على علاج مدعوم أو بتوزيع عادل للموارد.
ارتباك رسمي وهجوم سياسي واسع
أثار تسريب القرار عاصفة انتقاد من سياسيين واقتصاديين معارضين، اعتبروا أن الخطوة تهدد بانفجار اجتماعي في بلد وصلت فيه نسب الفقر إلى 32.5% حسب أحدث إحصاءات 2023، مع توقعات بارتفاعها بعد موجات الغلاء ورفع الدعم.
ووصف سياسيون معارضون المشهد بأنه استمرار لنهج النظام في التضحية بالعدالة الاجتماعية مقابل إرضاء أصحاب المصالح من كبار المستوردين وشركات الدواء، مطالبين بحلول جذرية قائمة على إعادة هيكلة الأولويات الموازنية ومحاربة الفساد وليس تحميل الفقراء فاتورة سنوات من سوء الإدارة والتبعية لصندوق النقد وجدولة الديون.
حصاد الارتباك
أظهر ملف رفع أسعار الأدوية مجدداً فشل حكومة السيسي في حماية الطبقات الأكثر هشاشة، وكشف عن هشاشة المنظومة الصحية والتعليمية في ظل تسارع القرارات غير المدروسة واستمرار تقلب السياسات وتراجع مؤشرات العدالة الصحية والاقتصادية لملايين المصريين.